"ليلًا يستغفر، فيسب نفسه وهو لا يشعر ويجيء من الاحتمال ما تقدم في حديث الباب، وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق فيها، والأمر بالإقبال عليه ابن شاط، وفيه إزالة المنكر باليد واللسان، وجواز تنفل النساء في المسجد، واستدل به على كراهة التعلق بالحبل في الصلاة.
[رجاله أربعة]
قد مرّوا، وفيه ذكر زينب، مرّ أبو معمر وعبد الوارث في السابع عشر من العلم، ومرّ عبد العزيز بن صُهَيب في الثامن من الإيمان، وأنس في السادس منه.
وزينب المراد بها أُم المؤمنين زينب بنت جحش بن رَباب بن يَعْمُر بن صُبَيرة بن مُرة بن كَبير بن غَنْم بن دَرْوان بن أَسَد بن خُزيمة، أمها أُميمَة بنت عبد المطلب، عمة النبي عليه الصلاة والسلام، تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم-، سنة ثلاث، وقيل سنة خمس، ونزلت بسببها آية الحجاب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، وفيها نزل:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} وكان زيد يدعى ابن محمد، فلما تزوجها تكلم المنافقون في ذلك، فأنزل الله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} وقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} فعندما تزوج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- امرأته بعده، انتفى ما كان الجاهلية يعتقدونه، مِنْ أَنَّ مَنْ تبنى غيره يصير ابنه، بحيث يتوارثان إلى غير ذلك.
وكانت اسمها بُرْة، ولما دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، سماها زينب، وأخرج ابن سعد بسند مرسل: فبينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدث عن عائشة، إذ أخذته غَشْية فَسُرِّيَ عنه، وهو يبتسم ويقول: مَنْ يذهب إلى زينب يبشرها؟ وتلا:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} الآية. قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد، لما يبلغني من جمالها، وأخرى هي أعظم وأشرف، ما صنع لها زوجها الله في السماء، وقلت: هي تفخر علينا بهذا.
وعن ابن عباس، لما أُخبرت زينب بتزويج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها، سجدت. وأخرج ابن عبد البَرّ بسنده، عن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لزيد بن حارثة: "اذكرها" قال زيد: فذهبتُ فقلتُ: يا زينب، أبشري، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل بذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أقضي أوامر ربه. فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودخل عليها بغير إذن. وأخرج ابن عبد البر، أنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قال لعمر بن الخطاب: "إن زينب بنت جحش أَوّاهة"، قال رجل: يا رسول الله، ما الأوّاهة؟ قال: "الخاشع المتضرع، إن إبراهيم لأوّاهٌ حليم".
وقد وصفت عائشة زينب بالوصف الجميل في قصة الإفك، فقالت: إن الله عصمها بالورع، وهي التي كانت تسأمني من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكاتت تفخر على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها بنت عمته، وبأن الله زوجها له، وهن زوجهن أولياؤهن. ومن طريق عبد الواحد بن أبي عوف، قالت: يا رسول الله، إني والله ما أنا كإحدى، ليست امرأةٌ إلاَّ زوجها أبوها أو أخوها أو وليها غيري، زوجنيك الله من