هذه الترحمة تشعر أيضًا بأنه كان متوقفًا في ذلك، وقد جزم، بعد هذا في تفسير سورة الروم، بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة، وقد رتب أيضًا أحاديث هذا الباب ترتيبًا يسير إلى المذهب المختار، فإنه صدَّره بالحديث الدال على التوقف، ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة، ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك، فإن قوله في سياقه:"وأما الصبيان حوله فأولاد الناس" قد أخرجه في التعبير بلفظ "وأمَّا الولدان الذين حوله، فكل مولود يولد على الفطرة، فقال بعض المسلمين: وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين".
ويؤيده ما رواه أبو يعلى عن أنس مرفوعًا "سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أنْ لا يعذبهم، وأعطانيهم" إسناده حسن، وورد تفسير "اللاهين" بأنهم الأطفال، عن ابن عباس مرفوعًا، أخرجه البزار، وروى أحمد عن خَنساء بنت مُعاوية بن صَريم عن عمتها قالت: قلت: يا رسول الله، من في الجنة؟ قال:"النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة". إسناده حسن.
قوله: الله أعلم بما كانوا عاملين، قال ابن قتيبة أي: لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشيء، وقال غيره: أي علم أنهم لا يعملون شيئًا، ولا يرجعون فيعملون، أو أخبر بعلم شيء لو وجد، كيف يكون؟ مثل قوله تعالى {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} ولكن لم يرو أنهم يجازون بذلك في الآخرة؛ لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل.
وقال ابن بطال: يحتمل قوله: "الله أعلم بما كانوا عاملين" وجوهاً من التأويل، أحدها أن يكون قبل إعلامه بأنهم من أهل الجنة، الثاني أي: على أيِّ دين يميتهم إذا عاشوا، فبلغوا العمل، فأما إذا لم يبلغوا العمل فهم في رحمة الله التي ينالها من لا ذنب له. الثالث: أنه مجمل يفسره قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
وفي حديث ابن عباس عن أولاد المشركين، وفي حديث أبي هُريرة الذي بعده "سُئل عن