العَيْنِيّ: يجوز مطلقًا. قلت: وهذا هو مذهبنا، ولا أدري ما قاله صاحب الفتح مذهب له أم لا؟ وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام، ويؤخذ منه تعزير كل أحد بحسبه، والاكتفاء في التعزير بالقول، والإنكار في المكروهات، وأما تكراره فللتأكيد، وقد مرَّ في العلم أنه عليه الصلاة والسلام كان يعيد الكلمة ثلاثًا لتفهم عنه، وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر، وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر، وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك، وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأوِّلاً، وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق.
[رجاله خمسة]
وفيه ذكر مُعاذ أيضًا، وذِكْر رجل مُبْهَم، وقد مروا، وقد ذكر محلهم في الذي قبله، إلا محمد بن بَشّار وغُنْدُر، أما ابن بَشّار، فقد مرَّ في الحادي عشر من العلم، ومرَّ غندر في الخامس والعشرين من الإيمان، وأما الرجل المبهم فاختلف في اسمه، فقيل اسمه حَزْم بن أبي كَعْب، وقيل اسمه حَرام بن مِلحان، وقيل رجل من بني سَلِمة اسمه سُلَيم، وها أنا أتكلم على الجميع تتميمًا للفائدة.
أما حزم بن أبي كَعْب الأنصاري، فقد قال في الإصابة: روى أبو داود الطَّيَالِسِيّ عن موسى بن إسماعيل عن طالب بن حَبِيب، سمعتُ عبد الرحمن بن جابر يُحَدِّث عن حَزْم بن أبي كعْب: أنه مرَّ على مُعاذ بن جَبَل وهو يُصلّي بقومه .. فذكر الحديثَ في تطويله بهم، وأمْرَ النبي-صلى الله عليه وسلم- له بالتخفيف، وهذا أخرجه البَزَّار من طريق الطيَالِسِيّ عن طالب عن ابن جابر عن أبيه، وهذا أشبه. قال: ولم أر مَن ترجم لحزم بن أبي كعْب من القدماء إلا ابن حِبّان، فذكره في الصحابة، ثم ذكره في ثقات التابعين، ولعل التابعيّ آخر وافق اسمه اسم أبيه، وإلا فالقصة صريحة في كونه صحابيًا، وقد ذكره ابن مَنْدَه وأبو نُعيم، وقد ذكر ابن عبد البَرّ في ترجمة حَزْم بن كَعْب بعد أن ساق قصته من تاريخ البُخاريّ، وفي غير هذه الرواية أن صاحب مُعاذ اسمه حرام بن أبي كَعب، وقال في ترجمة حرام، وقال عبد العزيز بن صُهَيب عن أنس: حَرام بن أبي كَعْب، قال في الإصابة: وليسَ في روايَة عبد العزيز تسمية أبيه، وقد مرت رواية أبي داود لهذه القصة، فيحتمل أن تكون القصة واحدة، ووقع في أحد الرجلين تصحيف، وهو واحد، وقد مرَّ له تعريف في باب الغضب في الموعظة من كتاب العلم.
وحَرَام هو ابن مِلْحَان، بكسر الميم، واسم ملحان مالك بن خالد بن زَيد بن حَرام بن جُنْدُب بن عامر بن غَنْم بن مالك بن النَّجَّار الأنْصاريّ، شهد بدرًا مع أخيه سليم بن مِلْحان، وشهد أحدًا، وقتل يوم بئْر مَعُونة مع المنذر بن عمرو وعامر بن فُهَيرة، قتله عامر بن الطُّفَيْل، وهو الذي حمل كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عامر بن الطُّفَيْل، أخو أم سُليم وأم حَرام بنتي مِلحان خال أنس بن مالك، قتل يوم بئر معونة، ضرب في رأسه فتلقى دمه بكفه ثم نضحه على رأسه ووجهه، وقال: فزتُ وَرَبِّ الكعبة. وقيل: إنه ارْتُثّ يوم بئر معونة، فقال الضّحّاك بن سُفْيان الكلَابيّ، وكان مسلمًا