للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب العَرْض في الزكاة

أي: جواز أخذ العَرض، وهو بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمة، والمراد به ما عدا النقدين. قال ابن رشيد: وافق البخاريّ في هذه المسألة الحنفيةَ، مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل، وقد أجاب الجمهور عن قصة معاذ، وعن الأحاديث بما سيأتي عقب كل واحد منها. ثم قال: وقال طاووس: قال معاذ، رضي الله تعالى عنه، لأهل اليمن: ائتوني بعَرْض ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة.

هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاووس، لكن طاووس لم يسمع من معاذ، فهو منقطع، فلا يغتر بقول مَنْ قال: ذكره البخاريّ بالتعليق الجازم، فهو صحيح عنده، لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى مَنْ علق عنه. وأما باقي الإسناد فلا، إلا أنَّ إيراده له في معرض الاحتاج به، يقتضي قوته عنده، وكأنه عَضَّده عنده الأحاديثُ التي ذكرها في الباب.

وقوله: "خميص" قال الداوديّ والجوهريّ: ثوب خميس، بسين مهملة، هو ثوب طوله خمسة أذرع، وقيل: سمي بذلك لأن أول مَنْ عمله الخَميسُ، ملك من ملوك اليمن. وقال عياض: ذكره البخاريّ بالصاد، وأما أبو عُبيدة فذكره بالسين، قال أبو عبيدة: كأنَّ معاذًا عني الصفيق من الثياب، وقال عياض: قد يكون المراد ثوب خميصٌ، أي: خميصة، لكن ذكره على إرادة الثوب. وقوله: "لبيس" أي: ملبوس، فعيل بمعنى مفعول. وقوله: "في الصدقة" يرد قول مَنْ قال: إن ذلك كان في الخراج، وحكى البيهقيّ أن بعضهم قال فيه: من الجزية، بدل الصدقة، فإن ثبت ذلك سقط الاستدلال، لكن المشهور الأول.

وقد رواه ابن أبي شيبة عن طاووس أن معاذًا كان يأخذ العروض في الصدقة، وأجاب الإسماعيليّ باحتمال أن يكون المعنى "إيتوني به آخذه منكم مكانَ الشعير والذرة، الذي آخذه شراءًا، بما آخذه، فيكون بقبضة قد بلغ محله، ثم يأخذ مكانه ما يشتريه مما هو أوسع عندهم، وأنفع للأخذ" قال: ويؤيده أنها لو كانت من الزكاة، لم تكن مردودة على الصحابة، وقد أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم. وأجيب بأنه لا مانع من أنه كان يحمل الزكاة إلى الإِمام ليتولى قسمتها، وقد احتج به من يجيز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وهي مسألة خلافية أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>