تحريمها بل يدل على عدم وجوبها، ولم يقل به مخالفوهم. وهذا التعقيب متعقب؛ لأنه ما ادّعى تحريمها حتى يرد ما استدل به الطحاوي، ولم يقل هو ولا غيره بالحرمة وإنما دعواهم أن الداخل ينبغي أن يجلس ولا يصلي شيئًا، والحال أن الإمام يخطب وهو الذي ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين.
قال في "الفتح": وهذه الأجوبة التي قد مرّت يندفع من أصلها بعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي قتادة:"إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" متفق عليه. فهذا عام يتناول كل داخل في المسجد سواء كان يوم الجمعة والإمام يخطب أو غيره.
ويجاب عن هذا بأن الحديث في حق مَنْ دخل المسجد في حال تحل فيه الصلاة لا مطلقًا ألا ترى أن مَنْ دخل المسجد عند طلوع الشمس وغروبها أو عند قيامها في كبد السماء عند مَنْ منع الصلاة في ذلك الوقت لا يصلّي في هذه الأوقات للنهي الوارد فيه؟ فكذلك لا يمشي والإمام يخطب يوم الجمعة لورود وجوب الإِنصات فيه، والصلاة حينئذ مما يخل بالإنصات.
قلت: هذا لا يرد على مَنْ يخص النهي في هذه الأوقات بالنافلة التي لا سبب لها كالشافعية وفي الحديث أن للخطيب أن يأمر في خطبته وينهى، ويبيّن الأحكام المحتاج إليها ولا يقطع ذلك التوالي المشترط فيها، بل لقائل أن يقول كل ذلك يعد من الخطبة. واستدل به على أن المسجد شرط للجمعة للاتفاق على أنه لا تشرع التحية لغير المسجد، واستثنى المحاملي المسجد الحرام؛ لأن تحيته الطواف، وفيه نظر لطول زمان الطواف بالنسبة إلى الركعتين.
قال في "الفتح": والذي يظهر من قولهم إن تحية مسجد (مكة) الطواف إنما هو في حق القادم ليكون أول شيء يفعله الطواف، وأما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء، ولعل قول مَنْ أطلق أنه يبدأ في المسجد الحرام بالطواف لكون الطواف يعقبه صلاة الركعتين، فيحصل شغل البقعة بالصلاة غالبًا وهو المقصود، ويختص المسجد الحرام بزيادة الطواف.
وحاصل مذصب مالك أن مَنْ طلب بالطواف ولو ندبًا كطواف الوداع أوأراده عند دخوله، فتحيته الطواف لا فرق بين كونه آفاقيًا أم لا. وكذا إن لم يرده وهو آفاقي فهذه خمس. وأما إذا كان لم يرده وهو مقيم فتحيته ركعتان.
[رجاله أربعة]
قد مرّوا، وفيه ذكر رجل مبهم، مرَّ أبو النعمان في الحادي والخمسين من الإيمان، ومرّ حمّاد بن زيد في الرابع والعشرين منه، ومرَّ عمرو بن دينار في الرابع والخمسين من "العلم"، ومرّ جابر في الرابع من "بدء الوحي".