وأخرج الطحاوي عن عقبة بن عامر أنه قال: الصلاة والإمام على المنبر معصية، فأي تصريح فوق هذا؛ فإن قيل في سنده ابن لهيعة.
أُجيب عنه بأنه قد وثّقه أحمد، وروى عنه كثيرًا، ووثّقه ابن وهب وأحمد بن صالح.
وأخرج الطحاوي عن عطاء قال:"كان ابن عمر وابن عباس -رضي الله تعالى عنهم- يكرهان الكلام والصلاة إذا خرج الإِمام يوم الجمعة".
وأخرج الطحاوي مثل هذا عن الشعبي والزهري وعلقمة وأبي قلابة ومجاهد من التابعين. واحتج المانعون أيضًا بأنهم اتفقوا على أن منع الصلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه مَنْ كان داخل المسجد أو خارجه. وقد اتفقوا على أن مَنْ كان داخل المسجد يمتنع عليه التنفل حال الخطبة، فليكن الآتي كذلك، قاله الطحاوي ووافقه الماوردي من الشافعية على ما نقل من الاتفاق. وتعقب هذا بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد، ورد هذا بأن الطحاوي لم يبن كلامه على القياس حتى يكون ما قاله قياسًا في مقابلة النص، بل الطحاوي روى أحاديث عن سليمان وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وأوس بن أوس -رضي الله تعالى عنهم- كلها تأمر بالإنصات إذا خطب الإمام، فتدل على أن موضع كلام الإمام ليس بموضع للصلاة، فبالنظر على ذلك يستوي الداخل والآتي.
وأيضًا إنما يكون القياس في مقابلة النص فاسدًا إذا كان ذلك النص سالمًا من المعارض، ولم يسلم حديث سليك عن أمور كثيرة مرَّ ذكرها. واحتجوا أيضًا بأنهم اتفقوا على سقوط التحية عن الإِمام مع كونه يجلس على المنبر مع أن له ابتداء الكلام في الخطبة دون المأموم، فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى، وتعقب بأنه أيضًا قياس في مقابلة النص فهو فاسد؛ ولأن الأمر وقع مقيدًا بحال الخطبة، فلم يتناول الخطيب، وهذا التعقب مردود بما مرّ قريبًا من أن القياس في مقابلة النص إنما يكون فاسدًا إلخ، وبأن الخطيب إذا لم يتناوله الحديث المقيد بحال الخطبة يتناوله الحديث المتفق عليه الذي فيه الأمر للداخل بأن لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فلولا أن دخوله هو للمسجد مانع من التحية لكان هو مطالبًا بالتحية.
واحتج المانحون بأن عمر لم يأمر عثمان بصلاة التحية مع أنه أنكر عليه الاقتصار على الوضوء.
وأجيب باحتمال أن يكون صلاّهما.
واحتجوا أيضًا بما أخرجه الطحاوي "عن عبد الله بن صفوان أنه دخل المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن، ثم سلم ثم جلس ولم يركع. وعبد الله بن صفوان وعبد الله بن الزبير صحابيان صغيران، فقد استدل به الطحاوي فقال: لما لم ينكر ابن الزبير على ابن صفوان ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحية، فدل على صحة ما قلناه. وتعقب بأن تركهم النكير لا يدل على