النبي -صلى الله عليه وسلم- صلّى على حمار. فيه احتمال، وقد نازع في ذلك الإسماعيلي فقال: خبر أنس، إنما هو في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- راكبًا تطوعًا لغير القِبْلَة، فإفراد الترجمة في الحمار من جهة السنة، لا وجه له عندي. وقد أورد السراج عن يحيى بن سعيد أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على حمار، وهو ذاهب إلى حيبر، إسناده حسن، وله شاهد عند مسلم عن سعيد بن يسار عن ابن عمر رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلّي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر، فهذا يرجح الاحتمال الذي أشار إليه البخاري.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا إلاَّ شيخ البخاري، مرّ حِبّان بن هلال في الحادي والخمسين من مواقيت الصلاة، ومرّ همام بن يحيى في الرابع والثمانين من الوضوء، ومرّ أنس بن سيرين في الرابع والعشرين من الجماعة، ومرّ أنس في السادس من الإيمان، وشيخ البخاري هو أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي أبو جعفر السرخسي ثم النيسابوري. قال الخطيب: كان أحد المذكورين بالفقه ومعرفة الحديث والحفظ له. قال أحمد: ما قدم على خراسان أفقه بديننا منه، وعظمه حجاج الشاعر وكتب إليه أحمد لأبي جعفر أكرمه الله من أحمد بن حنبل. وقال يحيى بن زكرياء: كان ثقة جليلًا. وقال أحمد بن محمد بن عقدة: أقدمه الطاهرية هراة، وكان أحد حفاظ الحديث المتقين الثقة العالم بالحديث وبالرواة، تولى قضاء سرخس ثم انصرف إلى نيسابور إلى أن مات بها. وقال ابن حِبّان: كان ثقة ثبتًا صاحب حديث يحفظ. روى عن النضر بن شميل وأبي عامر العقدي ويحيى بن أبي كثير وغيرهم. وروى عنه الجماعة سوى النسائي والفلاس وأبو موسى، وهما أكبر منه، ووهب بن جرير وهو من شيوخه وغيرهم. مات بنيسابور سنة ثلاث وخمسين ومائتين. والسرخسي في نسبه نسبة إلى سرخس بلد عظيم بخراسان نهر، وهي بفتح السين والراء وسكون الخاء على الصحيح وضبطت بوزن جعفر ودرهم، ينسب إليها من القدماء محمد بن المهلب السرخسي شيخ أبي عبد الله الداغس وآخرون.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والقول، وشيخ البخاري مروزي، والبقية بصريون. ثم قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في "الفتح": لم يسق المصنف المتن، ولا وقفنا عليه موصولًا من طريق إبراهيم، ووقع عند السراج عن عمر بن عامر عن الحجّاج بن الحجّاج بلفظ: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي على ناقته حيث توجهت به، فعلى هذا كأن أنسًا قاس الصلاة على الحمار بالصلاة على الراحلة. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى أن مَنْ صلّى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه، أتى صلاته صحيحة؛ لأن الدابة لا تخلو من نجاسة، ولو على منفذها، وفيه الرجوع إلى أفعاله كالرجوع إلى أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه، وفيه تلقى المسافر، وسؤال التلميذ شيخه عن مسند فعله، والجواب بالدليل، وفيه التلطف في السؤال والعمل بالإشارة، لقوله من ذا الجانب.