ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، وإنما هو مأخوذ من قوله:"يتوضأ فيها", لأن الأصل في الوضوء هو الغسل، ولأن قوله:"فيها" يدل على الغسل، ولو أريد المسح لقال: عليها.
قوله:"ولا يمسح على النعلين" أي: لا يكتفي بالمسح عليهما كما في الخُفَّين، وأشار بذلك إلى ما روي عن علي وغيره من الصحابة أنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء، ثم صلَّوا. وروي ذلك في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المُغيرة بن شعبة، لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة.
واستدل الطّحاوي على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخُفَّين إذا تخرّقا حتى تبدو القدمان فإن المسح لا يُجزىء عليهما، قال: فكذلك النعلان، لأنهما لا يستران القدمين، وهو استدلال صحيح، لكنه منازَع في نقل الإجماع المذكور.
وقد تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى:{وَأَرْجُلَكُمْ} عطفًا على: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة: ٦] فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين فحكي عن ابن عباس في رواية ضعيفة، والثابت عنه خلافه، وعن عكرمة والشعبي، وقَتادة، وهو قول الشيعة، وعن الحسن البصري: الواجب الغسل أو المسح، وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما.
وحُجة الجمهور الأحاديث الصحيحة المذكورة وغيرها من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه بيان للمراد، وأجابوا عن الآية بأجوبة منها أنه قرىء:{وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب عطفًا على أيديكم. وقيل: معطوف على محل {بِرُءُوسِكُمْ} كقوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}[سبأ: ١٠]. وقيل: المسح في الآية محمول لمشروعية المسح على الخفين، فحملوا قراءة الجر على مسح الخفين، وقراءة النصب على غسل الرجلين، وقرر ذلك أبو بكر بن العربي، فقال: بين القراءتين تعارض ظاهر، والحكم فيما ظاهره التعارض أنه إن أمكن العمل بهما وجب، وإلاّ عُمل