أو طالب علم أو تجارة أو نزهة، فلا يدخل في النهي، ويؤيده ما مرّ عند أحمد عن أبي سعيد الخُدْرِيّ:"لا ينبغي للمصلي إلخ" وقد مرّ تقرير أن هذا الوجه لا يصح تفسير الحديث بغيره، وأن هذا الحديث نص في ذلك.
ومنها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاه الخطابيّ عن بعض السلف، أنه قال:"لا يعتكف في غيرها" وهو أخص من الذي قبله، ولم يُبْدِ له دليلًا، واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك، وبه قال مالك والشافعيّ والبويطيّ، واختاره أبو إسحاق المروزيّ. وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقًا، وقال الشافعيّ: يجب في المسجد الحرام لتعلق النُّسُك به، بخلاف المسجدين الأخيرين. وهذا هو المتصور لأصحاب الشافعيّ.
وقال ابن المنذر: يجب إلى الحرمين، وأما الأقصى فلا، واستأنس بحديث جابر أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أُصلي ببيت المقدس، قال:"صل هاهنا". وقال ابن التين: الحجة على الشافعيّ أن إعمال المَطِيّ إلى مسجد المدينة والمسجد الأقصى، والصلاة فيها قربة، فوجب أن يلزم بالنذر كالمسجد الحرام، واستدل به على أن من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها؛ لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أي مسجد كان. قال النوويّ: لا اختلاف في ذلك إلا ما رُوي عن الليث أنه قال: يجب الوفاء به. وعن الحنابلة رواية تلزمه كفارةُ يمين، ولا ينعقد نذره. وعن المالكية رواية إنْ تعلقتْ به عبادَةٌ تختص به، كرباطٍ، لزم، وإلا فلا. وذكر عن محمد بن سَلَمَة المالكيّ أنه يلزم في مسجد قُباء، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأتيه كل سبت. اشتمل هذا الحديثين الأولَ حديثَ أبي سعيد المصدر به.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا إلا قزعة، مرّ حفص بن عمر في الثالث والثلاثين من الوضوء، ومرّ شُعبة في الثالث من الإيمان، وأبو سيعد الخدري في الثاني عشر منه، ومرّ عبد الملك بن عُمير في الحادي والثلاثين من الجماعة والإمامة.
وقَزَعَة بفتح الزاي وسكونها، وهو ابن يحيى، ويقال ابن الأسود، أبو الفادية البصريّ، مولى زياد بن أبي سفيان، ويقال مولى عبد الملك. ويقال بل هو من بني الحُرَيش. ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال العجليّ: بصري تابعي ثقة. وقال ابن خِراش: صدوق، وقال عبد الملك بن عُمير: حدّثنا قَزَعة، وكان رجلًا يسبق الحاج في سلطان معاوية، له عند البخاريّ حديث أبي سعيد الخدريّ في سفر المرأة. روى عن أبي سعيد الخُدْرِيّ وابن عمر وابن عمرو بن العاص وغيرهم. وروى عنه عبد الملك بن عُمير وقتادة ومجاهد وغيرهم.