قد مرّ قريبًا وجه إيراده هنا ومطابقته للترجمة، وقوله:"الغُسلُ يوم الجمعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ" وفي الرواية الآتية في "الجمعةِ" غسلُ يوم الجمعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ. واستدل بهذه الرواية الأخيرة من قال الغُسل لليوم للإضافة إليه ويأتي ما فيه من أول الجمعة واستنبط منه أيضًا أن ليوم الجمعة غُسلًا مخصوصًا حتى لو وجدت صورة الغُسل فيه لم يجز عن غُسل الجمعة إلا بالنيّة وقد أخذ به أبو قتادة:"فقال لابنه وقد رآه يغتسل يوم الجمعة: إن كان غسلك عن جنابة، فأعدْ غسلًا آخر للجمعة" أخرجه الطحاوي وابن المنذر وغيرهما. وعند المالكية إن نوى غُسل الجنابة والجمعة أو قصد نيابة الجنابة عن الجمعة حصل الغسلان، وإن نسي الجنابة أو قصد نيابة الجمعة عنها انتفيا. ورواية مسلم كرواية حديث الباب الغُسل يوم الجمعة وظاهره أن الغُسل حيث وجد فيه كفى لكون اليوم جعل ظرفًا للغسل، ويحتمل أن يكون اللام للعهد فتتفق الروايتان.
وقوله:"على كلّ محتلم" أي: بالغ، وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب، واستدل به على دخول النساء في ذلك ويأتي في الجمعة ما قيل في ذلك، واستدل بقوله واجب على فرضية غُسل الجمعة. وقد حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمّار بن ياسر وغيرهما وهو قول أهل الظاهر ورواية عن أحمد، وحكاه ابن حزم عن عمر وجم الصحابة ومَنْ بعدهم، ثم ساق الرواية عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرًا وإنما اعتمد في ذلك على أشياء محتملة كقول سعد: ما كنت أظن مسلمًا يدع غسل يوم الجمعة. وحكاه ابن المنذر والخطابي عن مالك. وقال عياض وغيره: ليس ذلك بمعروف في مذهبه. وقال ابن دقيق العيد: قد نص مالك على وجوبه فحمله من لمن يمارس مذهبه على ظاهره، وأبى ذلك أصحابه والرواية عن مالك في "التمهيد"، وفيه أيضًا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه فقال: حسن بواجب. قلت: مشهور مذهب مالك أنه سنة على مَنْ يريد حضور الجمعة ولو لم تلزمه، وسن أيضًا اتصاله بالذهاب إلى الجمعة. وقيل إنه مندوب، وقيل واجب، وقيل واجب في ذوي الرائحة دون غيره، ونظم شيخنا عبد الله الأقوال المذكورة فقال: