قال ابن المنير: أفهم البخاري بهذه الترجمة أن الحلق نسك لقوله: عند الإحلال، وما يصنع عند الإِحلال، وليس هو نفس التحلل؟ وكأنه استدل على ذلك بدعائه عليه الصلاة والسلام لفاعله والدعاء يشعر بالثواب، والثواب لا يكون إلا على العبادة، لا على المباحات، وكذلك تفضيله الحلق على التقصير يشعر بذلك؛ لأن المباحات لا تتفاضل، والقول بأن الحلق نسك قول الجمهور، إلا رواية مضعفة عن الشافعي أنه استباحة محظور، وقد أوهم كلام ابن المنذر أن الشافعي تفرد بها، لكن حكيت أيضًا عن عطاء، وعن أبي يوسف، وهي رواية عن أحمد وعن بعض المالكية، وقال زين الدين في شرح الترمذي: إن الحلق نسك، قاله النووي، وهو قول أكثر أهل العم، وهو القول الصحيح للشافعي.
وفيه خمسة أوجه:
أصحها: أنه ركن لا يصح الحج والعمرة إلاَّ به.
والثاني: أنه واجب.
والثالث: أنه مستحب.
والرابع: أنه استباحة محظور.
والخامس: أنه ركن في الحج، واجب في العمرة، وإليه ذهب أبو حامد وغير واحد من الشافعية، والحلق أفضل للرجال ولا يفدى عاجز عن أخذه لجراحة أو نحوها، بل يصبر إلى قدرته ولا يسقط عنه، ويستحب لمن لا شعر له أن يمر على الموسى تشبيهًا بالحالقين، وعند الحنفية هو واجب أو مستحب، وأقل ما يجزىء عند الشافعية ثلاث شعرات، وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة، وعند أبي حنيفة الربع، وعند أبي يوسف النصف، وعند مالك وأحمد يجب حلق جميعه، واستحبه الكوفيون والشافعي، ويستوعبه بالتقصير من قرب أصله عند المالكية، فإن أخذ من أطرافه أخطأ وأجزأ، وهو جار على الحلق عند الأئمة، ويستحب عند الشافعية أن لا ينقص التقصير عن قدر الأنملة، وإن اقتصر على دونها أجزأ، وهذا كله في حق الرجال، وأما النساء فالمشروع في حقهن التقصير بالإجماع أنملة، أو أنقص، أو أزيد، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود:"ليس على النساء حلق، وإنما على النساء التقصير".