أي وضعها أو غرزها، ثم قال: وأوصى بُريدة الأسلميُّ أن يُجعل في قبره جريدتان، وأثر بُريدة هذا مرَّ الكلام عليه في باب "من الكبائر أنْ لا يستتر من بوله" من كتاب الوضوء وهذا وصله ابن سعد من طريق مُوَرِّق العجليّ، وبُريدة قد مرَّ في الثلاثين من مواقيت الصلاة.
ثم قال: ورأى ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، فسطاطًا على قبر عبد الرحمن، فقال: انزعه يا غلام، فإنما يُظله عمله. الفُسطاط، بضم الفاء وسكون المهملة وبطاءين مهملتين، هو البيت من الشعر، وقد يطلق على غير الشعر، وفيه لغات أخرى: تثليث الفاء، وبالمثناتين بدل الطاءين، وإبدال الطاء الأولى مثناة، وإدغامها في السن, وكسر أوله في الثلاثة. ولفظ الأثر كما عند ابن سعد موصولًا "مرَّ عبد الله بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، أخي عائشة، وعليه فُسطاط مضروبٌ فقال: يا غلام، انزعه، فإنما يظله عمله. قال: تضربني مولاتي، قال: كلا، فنزعه.
ومن طريق ابن عون عن رجل قال: قدمتْ عائشةُ ذا طُوَيّ، حين رَفَعوا أيديهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر، فأمرتْ بفُسطاط ضرب على قبره، وكَّلَت به إنسانًا، وارتحلت، فقدم ابن عمر فذكر نحو الحديث. وقد مرَّ الكلام مستوفى على ضرب الفسطاط على القبر، في باب "ما يكره من اتخاذ القبر على المساجد".
ووجه إدخال أثر ابن عمر في هذه الترجمة من حيث، إنه يرى أن وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- الجريدتين على القبرين، خاص بهما، وأن بُريدة حَمَله على العموم، فلذلك عقب أثر بُريدة بأثر عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهذا التعليق وصله أيضًا ابن سعد من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار. وابن عمر مرَّ في أول الإِيمان قبل ذكر حديث منه، وعبد الرحمن المراد به عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وقد مرَّ في الرابع من الغسل.
ثم قال: وقال خارجة بن زيد: رأيْتُني ونحن شُبَّان في زمن عثمان، رضي الله تعالى عنه، وأن أشدنا وَثْبَةً الذي يشب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه. قوله: رأيتُني، بضم المثناة، والفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب، وفيه جواز تعلية القبر ورفعه، عن وجه الأرض، ومناسبته من جهة أن وضع الجريد على القبر يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر عن الأرض، وسيأتي الكلام عليه في أواخر الجنائز.