وقد ذكر الرهونيّ المالكيّ في حاشيته على الزُّرْقاني هذا البحث، في باب النَّذْر مختصرًا عند قول المتن "والمدينة أفضل ثم مكة" قال: قد انعقد الإجماع على أن الروضة الشريفة أفضل بقاع الأرض والسماء، فيكون ما قاربها وجاورها أفضل من غيره، إذ بجيرانها تغلو الديار، وترخص، فتأمله بإنصاف منه.
وهو كما أوضحنا، فإنه عسير على من سلّم هذا الإجماع ورضي به، أن يقول بفضل مكة على المدينة، فالراضي بهذا الإجماع يتعين عليه أن يقول بتفضيل المدينة، ويحمل الحديث الوارد بتفضيل مكة على بدء الأمر، قبل ثبوت الفضل للمدينة كما مرّ، وقد أطلتُ الكلام في أدلة تفضيل المدينة لما في القلب -لله الحمد والمِنة- من محبة ما فيه تعظيمٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، لا لكوني مالكي المذهب.
وقد اختلف في تضعيف الصلاة في المساجد المذكورة، هل هو مطلق أو مختص بالنفل؟ وقد تقدم عن الطحاويّ أن ذلك مختص بالفرائض، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل صلاة المرء في بيته إلاَّ المكتوبة"، ويمكن أن يقال: لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه، فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة أو بمكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما، وكذا في المسجدين، وإن كانت في البيوت أفضل مطلقًا، ثم إن التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب، ولا يتعدى إلى الإجزاء باتفاق العلماء، كما نقله النوويّ وغيره. فلو كان عليه صلاتان، فصلى في أحد المساجد الثلاثة صلاة لم تجزه إلاَّ عن واحدة، وعلى هذا يحمل قول أبي بكر النقّاش في تفسيره: حَسَبت الصلاة في المسجد الحرام، فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة، وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة، فإنها تزيد سبعًا وعشرين درجة، كما مرّ في أبواب الجماعة، لكن هل يجتمع التضعيفان أم لا؟ محلُّ بحث.
[رجاله ستة]
مرّ منهم عبد الله بن يوسف، ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرّ أبو عبد الله سلمان الأغر في الخمسين من الجمعة، ومرّ أبو هريرة في الثاني من الإيمان، والباقي اثنان:
الأول: زيد بن رباح المدنيّ، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسًا، وقال ابن عبد البَرّ: ثقة مأمون، روى عن أبي عبد الله الأغر، وعنه مالك مقرونًا بعبُيد الله بن أبي عبد الله الأغر في غالب المواضع، قتل بقُدَيد سنة خمس وثلاثين ومئة.
الثاني: عُبيد الله بن أبي عبد الله الأغر، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال ابن مُعين وأبو داود والنَّسائيّ: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، أخرجوا له مقرونًا في الغالب يزيد بن رباح، ووَثَّقَه ابن البَرْقِيّ أيضًا. روى عن أبيه، وروى عنه موسى بن عُقبة ومالك وابن عَجْلان وسليمان بن بلال.