وقوله:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} أي: من القرآن، قيل في صلاة المغرب والعشاء، وقد قال بعضهم الركعتان بعد العشاء مع الوتر كافيتان في امتثال هذا الأمر، فمن زاد زاده الله ثوابًا. قال في "الجواهر": ينبغي للعاقل تحصيل الخيرات قبل صولة الممات. وقوله:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي المفروضة، وآتوا الزكاة أي: الواجبة، وقيل زكاة الفطر؛ لأنه لم يكن بمكة زكاة، وإنما وجبت بالمدينة، ومن فسرها بالواجبة جعل آخر السورة مدنيًا، قلت: وكذلك زكاة الفطر، لم تجب إلا بالمدينة، والصحيح فيها أنها إنما وجبت بالسُنّة لا بالقرآن، كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى. وقوله:{وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قيل: يريد سائر الصدقات المستحبة، وسماه قرضًا تأكيدًا للجزاء، وقيل: تصدقوا من أموالكم بنية خالصة عن طيب قلب، من مال حلال.
وقوله:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ} يعني ما تعملون من الأعمال الصالحة، وتتصدقون به بنية خالصة، تجدوه عند الله، أي تجدون ثوابه في الآخرة. وقوله:{هُوَ خَيْرًا} خيرًا ثاني مفعولي وجد، وهو فصل، وجاز وإنْ لم يقع بين معرفتين؛ لأن أفعل من أشبه في امتناعه من حروف التعريف المعرفة. وقوله:{وَأَعْظَمَ أَجْرًا} أي: مما خلَّفتم من متاع الدنيا، ومما تؤخرونه إلى الوصية عند الموت. واستغفروا الله لما فَرَط منكم في جميع أحوالكم؛ لأن الاستقامة متعسرة أو متعذرة، إن الله غفور، أي: للذنوب، رحيم للمومنين المستغفرين، يجعل مكان الذنوب الحسنات.
قوله:"أن لا يصوم منه" زاد أبو ذر والأصيليّ "شيئًا". وقوله:"وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليًا" إلخ أي: صلاته ونومه كان يختلف بالليل، ولا يرتب وقتًا معينًا، بل بحسب ما تيسر له القيام، ولا يعارضه قول عائشة:"كان إذا سمع الصارخ قام" فإن عائشة تخبر عمالها عليه إطّلاع، وذلك أن صلاة الليل كانت تقع منه غالبًا في البيت، فخبر أنس محمول على ما وراء ذلك، وقد مضى في حديثها في أبواب الوتر من كل الليل، قد أوتر، فدل على أنه لم يكن يخص الوتر بوقت بعينه، والمعنى أن حاله في التَطوع بالصيام والقيام، كان يختلف، فكان تارة يقوم من أول الليل، وتارة في وسطه، وتارة من آخره، فكان مَنْ أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائمًا، أو في وقت من أوقات الشهر صائمًا، فراقبه المرة بعد المرة، فلابد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه.