للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نشأ. وفي "المجاز" لأبي عبيدة: ناشئة الليل آناء الليل ناشئةٌ بعد ناشئةٌ، قال ابن التين: والمعنى أن الساعات الناشئة من الليل، أي: المقبلة بعضها في إثر بعض، هي أشد.

قوله: "وطأً" قال: مواطأة للقرآن، أشد موافقة لسمعه وبصره وقلبه، وهذا وصله عبد بن حُميد عن مجاهد قال: أشد وطأً، أي: يوافق سمعك وبصرك وقلبك بعضه بعضًا، قال الطبري: هذه القراءة على أنه مصدر من قولك: واطأ اللسان القلبَ وَوِطاءً قال: وقرأ الأكثر "وَطْأ" بفتح الواو وسكون الطاء، ثم حكى عن العرب "وطئنا الليل" أي: سرنا فيه. وروي عن قتادة أشد وطأً أثبت في الخير، وأقوم قيلًا أبلغ في الحفظ. وقال الأخفش: أشد وطأ أي قيامًا، وأصل الوطء في اللغة الثقل، كما في الحديث "أشدد وطأتك على مُضَر" وقوله: "ليواطئوا" ليوافقوا، هذه الكلمة من تفسير براءة، وإنما أوردها هنا تأييدًا للتفسير الأول، وقد وصله الطبريّ عن ابن عباس لكن بلفظ "ليشابهوا".

وقوله: {سَبْحًا طَوِيلًا} أي: فراغًا، وصله ابن أبي حاتم عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وغيرهم. وعن السّدِّيّ سبحًا طويلًا، أي: تطوعًا كثيرًا، كأنه جعله من السّبحة وهي النافلة. وقوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} هذا مرتبط بما قبله، وهو قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} إلخ أي: علم الله أن لن تطيقوا قيام الليل. وقيل: الضمير المنصوب فيه، يرجع إلى مصدر مقدر، أي: علم أن لا يصح منكم ضبط الأوقات، ولا يتأتى حسابها بالتعديل والتسوية، إلا أنْ تاخذوا بالأوسع للاحتياط، وذلك شاقّ عليكم.

وقوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} عبارةعن الترخيص في ترك القيام المقدر، وقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} قال الزمخشريَّ: عبَّر عن الصلاة بالقراءة، كما عبّر عنها بالقيام والركوع والسجود، يريد فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل، وهذا ناسخ للأول، ثم نسخا جمعيًا بالصلوات الخمس كما مرّ. وقيل: هي قراءة القرآن بعينها، قيل: يقرأ مئة آية، ومَنْ قرأ مئة آية في ليلة لم يُحَاجّه القرآن. وقيل: مَنْ قرأ مئة آية كُتِب من القانتين، وقيل خمسين آية. وقد بيّن الحكمة في النسخ بقوله: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} لا يقدرون على قيام الليل: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} يعني يسافرون الأرض يبتغون من الله، يعني في طلب المعيشة، يطلبون الرزق من الله تعالى، وآخرون يقاتلون في سبيل الله، أي: يجاهدون في طاعة الله، وكل من الفِرَق الثلاث يشق عليهم ما ذكر في قيام الليل، وهذا إخبار عمّا يكون مستقبلًا بالإعجاز، على القول بأن الآية مكية، والتسوية بين الضارب للتجارة والمجاهد في سبيل الله، دلت على أن طلب الرزق إذا قرن بالنية الصالحة له مكان عند الله، كيف وقد قدمه على المجاهدة؟ وكذا قال ابن عمر: ما من موتة أحب إليّ بعد القتل في سبيل الله من أن أموت بين شعبتي رحل أضرب في الأرض ابتغاء فضل الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>