هذا الحديث مرَّ في باب الغُسْل والوضوء من المخضب، ومرَّ هناك ما يتعلق بتفسير ألفاظه، ولنذكر هنا فوائده مجموعة مع فوائد الذي قبله، ففيه من الفوائد غير ما مرَّ، أن البكاء، وان كثر، لا يبطل الصلاة، لأنه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء، لم يعدِل عنه، ولا نهاه عن البكاء، وحكمه عند الأئمة قال العَيْنيّ: قال أصحابنا: إذا بكى في الصلاة فارتفع بكاؤه، فإنْ كان من ذكر الجنة أو النار لم يقطع صلاته، وإن كان من وجع في بدنه أو مصيبة في ماله أو أهله أبطلها، وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعيّ: البكاء والأنين والتأوه يبطل الصلاة إذا كانت حرفين، سواء بكى للدنيا أو للآخرة، وتحرير القول في هذه المسألة عند المالكية هو ما نظمه شيخنا أحمد بن محمد سالم بقوله:
بكاءَ مَن صَلّى بلا بُهتْانِ ... مُنْحَصِرٌ في صُوَرٍ ثمانِ
لأنه إما بصوت أو لا ... غَلَبَةً أو اختيارًا حَلاَّ
فالكُلُّ من حوادث المصائب ... أو الخُشوع من مُنِيب تائب
ففي الجميع الصوت مهما فُقِدا ... فَعَدَمُ البُطلانِ عنهم وُجدا
إلا إذا ما كثر اختيارا ... فيقع البطلان لا اضطرارا