يأتي الكلام عليه مستوفى عند الحديث ثم قال: وقال أنس: بينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب قائمًا، هذا طرف من حديث أنس الآتي في الاستسقاء، وأنس مرّ في السادس من الإيمان.
قوله:"يخطب" زاد أحمد والبزار في روايتهما "يوم الجمعة". وقوله:"قائمًا" حال، وللنسائي والدارقطني من هذا الوجه:"كان يخطب خطبتين قائمًا يفصل بينهما بجلوس"، وغفل "صاحب العمدة" فعزا هذا اللفظ "للصحيحين". ورواه أبو داود بلفظ:"كان يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يؤذن المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب". واستدل علماء الأمصار بقوله:"قائمًا" على مشروعية القيام في الخطبة وهومن شروطها التسعة عند الشافعية وعند المالكية فيه قولان: بالوجوب، والسنية.
قال القاضي عياض: المذهب وجوبه من غير اشتراط. وقال القاضي عبد الوهاب: السنة القيام فإن خطب جالسًا أساء وصحت والظاهر أنه أراد الكراهة، وأن المتبادر الحرمة، وظاهر عبارة المازري أنه شرط. ومذهب أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة وليس بواجب، وعند أحمد روايتان: بالشرطية كالشافعي، وبالسنية كأبي حنيفة.
واحتجت الشافعية بما أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كان يخطب قائمًا ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائمًا فمن نبأك أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب". وبما أخرجه مسلم أيضًا عن كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدًا فأنكر عليه وتلا:{وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}.
وفي رواية ابن خزيمة:"ما رأيت كاليوم قط إمامًا يؤم المسلمين يخطب وهو جالس" يقول ذلك مرتين. وأخرج ابن أبي شيبة عن طاووس:"خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمًا وأبو بكر وعمر وعثمان وأوّل مَنْ جلس على المنبر معاوية". وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي أن معاوية إنما خطب جالسًا لما كثر شحم بطنه ولحمه. وأخرج نحوه عند طاووس ويعضد المرسلين ما روى سعيد بن منصور عن الحسن قال: أول مَنْ استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان، وكان إذا أعيى جلس ولم يتكلم حتى يقوم، وأول مَنْ خطب جالسًا معاوية. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر