للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الرابع والثلاثون]

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ: كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ.

وقوله: ثم سمعته بعد يقول: القائل لهذا هو شُعبة، يعني أنه سمع شيخه يزيد فيه القيد المذكور بعد أن سمعته منه بدونه، ويحتمل أن يكون القائل أبو التياح مخبرًا عن شيخه أنس، ومفهوم الزيادة أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يصل في مرابض الغنم بعد بناء المسجد، لكن قد ثبت إذنه في ذلك، كما مر مستوفى في كتاب الوضوء في باب أبوال الإبل والدواب إلخ، وحديث أنس هذا طرف من الحديث الذي قبله، لكن بَيَّن هناك أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته، أي حيث دخل وقتها، سواء كانت في مرابض الغنم أو غيرها. وبين هنا أن ذلك كان قبل أن يبني المسجد، وبعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة.

قال ابن بطّال: هذا الحديث حجة على الشافعيّ، ومن وافقه، في قولهم بنجاسة أبوال الغنم وأبعارها؛ لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك، وتعقبه في "الفتح" بأن الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالبًا، وإذا تعارض الأصل والغالب قُدّم الأصل. قلت: تقديم الأصل على الغالب لعله مذهبه هو، وأما مذهب المالكية، الذي هو مذهب ابن بطال، ففيهما قولان متساويان أيهما يُقَدّم، مع أن عدم السلام هنا بعد اتخاذ المحل مَرْبِضًا ليس بغالب، بل متحقق، فلا يجري فيه ما مرَّ، مع أن مذهب الشافعية كما في "جمع الجوامع" تقديم الغالب على الأصل، إذا كان الغالب له سببًا كمن مرَّ بمن يبول في ماء كثير، ثم قرب إليه فوجده متغيرًا، فإنا نحكم بنجاسته، إحالةً على السبب

<<  <  ج: ص:  >  >>