قوله:"وأنا أذهب" جملة حالية كذا وقع عند البخاري أن القصة وقعت لعباية مع أبي عبس وعند الإِسماعيلي أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية، وكذا أخرجه النسائي عن الوليد ولفظه:"حدّثني يزيد قال: لحقني عباية بن رفاعة وأنا ماشٍ إلى الجمعة". زاد الاسماعيلي "وهو راكب، فقال: احتسب خطاك هذه". وفي رواية النسائي:"فقال: أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبا عبس بن جبر" فذكر الحديث فإن كان محفوظًا احتمل أن تكون القصة وقعت لكل منهما. وأورده هنا لعموم قوله:"في سبيل الله فدخلت فيه الجمعة؛ ولكون راويه استدل به على ذلك.
وقال ابن المنير: وجه دخول حديث أبي عبس في الترجمة من قوله: "أدركني أبو عبس"؛ لأنه كان يعدو لما احتمل وقت المحادثة لتعذرها مع الجري؛ ولأن أبا عبس جعل حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد، وليس العدو من مطالب الجهاد فكذلك الجمعة.
وقوله: "اغبرت قدماه" أي: أصابها الغبار وإنما ذكر القدمين وإن كان الغبار يعم جميع البدن عند ثورانه؛ لأن أكثر المجاهدين في ذلك الزمان كانوا مشاة، والأقدام تتغبر على كل حال سواء كان الغبار قويًا أو ضعيفًا؛ ولأن أساس ابن آدم على القدمين، فإذا سلمت القدمان من النار سلم سائر أعضائه منها، وكذلك الكلام في ذكر الوجه في سبيل الله وفي الرواية الآتية في الجهاد "ما اغبرتْ قدما عبدٍ في سبيل اللهِ فتمسَّهُ النارُ". زاد أحمد عن أبي هريرة "ساعة من نهار". وقوله: "فتمسه النار" بالنصب والمعنى أن المس ينتفي بوجود الغبار المذكور، وفي ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله، فإذا كان مجرد مسّ الغبار للقدم يحرم عليها النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفد وسعه؟
وللحديث شواهد منها ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن أبي الدرداء مرفوعًا "من اغبرتْ قدماهُ في سبيلِ اللهِ باعدَ اللهُ منه النارَ مسيرة ألفِ عامٍ للراكبِ المستعجلِ".