قوله: إن ناسًا، قال في الفتح: لم يتعين لي أسماؤهم، إلا أن النَّسائيّ روى ما يدل على أن أبا سعيد راوي الحديث خُوطب بشيء من ذلك. ولفظه "ففي حديثه سرحتني أمي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأسأله عن حاجة شديدة، فأتيته وقعدت، فاستقبلني فقال: من استغنى أغناه الله .. " الحديث، وزاد فيه "ومن سأل وله أوقية فقد ألحف، فقلت: ناقتي خير من أوقية، فرجعت، ولم أسأله". وقوله: نفِد ما عنده، بكسر الفاء أي، فرغ. وقوله: فلن اؤخره عنكم، أي: أحبسه وأخبؤه، وأمنعكم إياه، منفردًا به عنكم، أو لن أجعله ذخيرة لغيركم.
وقوله:"ومن يستعفف"، بفاءين وللحموي والمستملي "ومن يستعفَّ" بفاء واحدة مشددة، أي: ومن طلب العفة عن السؤال بعفّة الله، بالنصب، أي: يرزقه الله العفة، أي: الكف عن الحرام. ولأبي ذَرٍّ "يعفُّه الله" بالرفع. وقوله: ومن يتصبر يصبره الله، أي: ومن يعالج الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا. وقوله: يعفّه الله، قال في شرح المِشكاة: يريد أن من طلب من فسه العفة عن السؤال، ولم يظهر الاستغناء، يعفه الله، أي: يصيره عفيفًا. ومن ارتقى عن هذه المرتبة إلى ما هو أعلى بإظهار الغنى عن الخلق، لكنْ إن أُعطي شيئًا لم يرده، يملأ الله قلبه غنى، ومن فاز بالقِدْح المُعَلَّى وتصبر، وإن أُعطي لم يقبل، فهو هو، إذ الصبر جامع لمكارم الأخلاق.
وفيه ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من السخاء وإنفاذ أمر الله. وفيه إعطاء السائل مرتين، والاعتذار إلى السائل، والحض على التعفف، وفيه جواز السؤال للحاجة، وإن كان الأولى تركه، والصبر حتى