للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في حديث الباب، وفي "شرح المسند" لابن الأثير: كان قصر الصلاة في السنة الرابعة من الهجرة، وفي تفسير الثعلبي قال ابن عباس: أول صلاة قصرت صلاة العصر قصرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أنمار.

[الحديث الأول]

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا.

قوله: "تسعة عشر" أي: يومًا بليلة. زاد في المغازي عن عاصم وحده بمكة. وقوله: "يقصر" أي: الصلاة الرباعية؛ لأنه كان مترددًا متى تهيأ له فراغ حاجته، وهو انجلاء حرب هوازن ارتحل. ويقصُر بضم الصاد، وضبطها المنذري بضم الياء وتشديد الصاد من التقضير. وقد أخرج أبو داود من هذا الوجه الحديث بلفظ: سبعة عشر. بتقديم السين على الموحدة. وله أيضًا من حديث عمران بن حصين غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلاَّ ركعتين.

وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن مَنْ قال تسع عشرة عدا يومي الدخول والخروج. ومَنْ قال: سبع عشرة حذفهما. ومَنْ قال: ثماني عشرة حذف أحدهما.

وأما رواية ابن إسحاق عن عبيد الله عن ابن عباس أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة عام الفتح خمسة عشر يومًا يقصر الصلاة. أخرجها أبو داود. فقد ضعفها النووي في "الخلاصة" وليس بجيد؛ لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي عن عراك بن مالك عن عبيد الله كذلك، وإذا ثبت أنها صحيحة، فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبع عشرة، فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمس عشرة، واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة أرجح الروايات. وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه ويرجحها أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة.

وقوله: "ونحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا" ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الإتمام، وليس ذلك بمراد. وقد صرّح أبو يعلى بالمراد في هذا الحديث ولفظه: إذا سافرنا فأقمنا في موضع تسعة عشر. ويؤيده صدر الحديث وهو قوله: أقام.

وللترمذي من وجه آخر عن عاصم: فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلّينا أربعًا. وأخذ الثوري وأهل الكوفة، ومنهم أبو حنيفة برواية: خمس عشرة؛ لكونها أقل ما ورد، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقًا، وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين المار ثماني عشرة، لكن محله عنده فيمن لم يزمع الإقامة، فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب عليه الإتمام، فإنْ أزمع الإقامة في أول الحال

<<  <  ج: ص:  >  >>