قد مرّوا: مرَّ أحمد بن محمد في الثالث والمائة من الوضوء، ومرَّ عبد الله بن المبارك في السادس من بدء الوحي، ومرَّ يونس بن يزيد في متابعة بعد الرابع منه، ومرَّ الزهري في الثالث منه، ومرَّ سالم في السابع عشر من الإيمان، ومرَّ أبوه عبد الله في أوله قبل ذكر حديث منه، أخرجه النسائي.
ثم أتى برواية للحديث فقال:
وعن عبد الله قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثني سالم عن ابن عمر نحوه، وهذا معطوف على الإسناد الأول، فكان ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس، وتارة عن معمر، وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم، وقد أخرجه الترمذي عن ابن المبارك عن معمر ولفظه أنه كان ينكر الاشتراط ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم، وهكذا أخرجه الإسماعيلي والدارقطني وأحمد بن منيع كلّهم عن ابن المبارك، وأما إنكار ابن عمر الاشتراط فثابت أيضًا في رواية يونس، إلاَّ أنه حذف في رواية البخاري هذه، فأخرجه البيهقي عن أبي كريب عن ابن المبارك، عن يونس وأشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إِلى ما كان يفتي به ابن عباس، قال البيهقي: لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به، وأخرجه الشافعي عن ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بضباعة بنت الزبير فقال: أما تريدين الحج، فقالت: إني شاكية، فقال لها حجي واشترطي أن مَحِلِّي حيث حبستني، قال الشافعي: لو ثبت حديث عروة لم أعده إِلى غيره؛ لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال البيهقي: قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أخرجه البخاري عن أبي أسامة في كتاب النكاح، ولقصة ضباعة شواهد منها: حديث ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إِني امرأة ثقيلة -أي: في الضعف- وإني أريد الحج، فما تأمرني؟ قال:"أهلي بالحج واشترطي أن مَحِلِّي حيث تحبسني" قال: فأدركت، أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبيهقي بطريق عن ابن عباس وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وغيرهم من الصحابة، ولم يصح إنكاره عن أحد من الصحابة، إلاَّ عن ابن عمر ووافقه جماعة من التابعين، ومن بعدهم من الحنفية والمالكية، وقالوا: إِن اشترط فليس له أن يخرج من إحرامه، فيرونه كمن لم يشترط، وتأولوا حديث ضباعة بأنه خاص، حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية، وقال النووي: إنه باطل، وقيل معناه: مَحِلِّي حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة، انقطع إِحرامي، حكاه إمام الحرمين، وأنكره النووي أيضًا، وقيل: إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة، لا من الحج حكاه المحب الطبري، وقصة ضياعه ترده كما مرَّ، وقيل: إنها قضية عين لا عموم فيها،