قوله: في حُجْرته، ظاهره أن المراد بيته، ويدل عليه ذكر جدار الحُجْرة في قوله "وجدار الحجرة قصير" وأوضح رواية حماد بن زَيْد عند أبي نُعيم بلفظ "كان يُصَلّي في حجرة من حجر أزواجه" والصحيح أنه ليس المراد بها بيته، وإنما المراد الحَصير التي كان يحتجرها بالليل في المسجد، فيجعلها على باب بيت عائشة، فيصلي فيه ويجلس عليه بالنهار، وورد هذا مبيناُ في كتاب اللباس عند المصنف عن عائشة بلفظ "كان يحتجر حصيرًا بالليل، فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه"، ويحتمل أن يكون المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير، كما في الرواية التي بعد هذه، ورواية زيد بن ثابت التي بعدها.
وقد قال النوويّ: معنى يحتجر، يحوّط موضعًا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه، ولا يمر بين يديه مار ليتفرغ قلبه، ويتوفر خشوعه، وتَعَقَّبَهُ الكِرْمَانيّ بأن لفظ الحديث لا يدل على أن احتجاره كان في المسجد. قال: ولو كان كذلك للزم أن يكون تاركًا للأفضل الذي أمر الناس به، حيث قال:"أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" ثم أجاب بأنه إن صح أنه كان في المسجد فهو إذا اعتبر صار كأنه بيت بخصوصيته أو أن السبب في كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- منزه عن الرياء في بيته وغير بيته.
ولأبي داود ومحمد بن نصر عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها، فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار، وفي نسبة الحجرة إليها. وقوله: فقام ناس، في رواية الكُشْمِيْهَنيّ: فقام أناس، وهذا موضع الترجمة, لأن مقتضاه أنهم كانوا يصلون بصلاته، وهو داخل الحجرة، وهم خارجها. وقوله: فقام ليلة الثانية، كذا للأكثر بإضافة ليلة إلى الثانية، وفيه حذف تقديره ليلة الغداة الثانية، وقيل: هو من باب إضافة الموصوف إلى صفته. وفي رواية الأصيليّ "فقام الليلة الثانية".