للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثاني]

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ.

قوله: "فليغتسل" الفاء للتعقيب، وظاهره أن الغُسل يعقب المجيء وليس ذلك بمراد، وإنما التقدير (إذا أراد أحدكم). وقد جاء مصرحًا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه: "إذا أرادَ أحدُكم أن يأتي الجمعةَ فليغتسلْ" ونظير ذلك قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف، ويقوي رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبًا بلفظ: "مَنْ اغتسلَ يومَ الجمعةِ ثم راحَ" فهو صريح في تأخير الرواح عن الغُسل وعرف بهذا فساد قول مَنْ حمله على ظاهره واحتج به على أن الغُسل لليوم لا للصلاة، فإن الحديث واحد ومخرجه واحد وقد بيّن الليث المراد في روايته، وحكى ابن عبد البر الإجماع على أن مَنْ اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة، ولا فعل ما أمر به وادعى ابن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين، ولم يأتِ عن أحد بالتصريح بإجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة، وإنما أورد ما يدل على أنه لا يشترط اتصال الغُسل بالذهاب إلى الجمعة فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال وما بعده، والفرق بينهما كالشمس.

وقال ابن دقيق العيد: قد أبعد الظاهري إبعادًا يكاد أن يكون مجزومًا ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغُسل على إقامة صلاة الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقًا بإضافة الغُسل إلى اليوم، وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة كما يأتي في حديث عائشة بعد أبواب، وكما في رواية إسماعيل بن أمية عند أبي عوانة عن نافع: "كان الناسُ يغدون في أعمالهِم فإذا كانت الجمعةُ جاؤوا وعليهم ثيابٌ متغيرةٌ فشكوا ذلك لرسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: "مَنْ جاءَ الجمعةَ فليغتسلْ". وفهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة، وكذا لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم نعتد به، والمعنى إذا كان معلومًا كالنص قطعًا أو ظنًا مقارنًا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ. وقد علم من تقييد الغسل بالمجيء أن الغسل للصلاة لا لليوم، وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة -رحمهم الله- فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة، ولو اغتسل بعد الفجر أجزأه عند الشافعية خلافًا للمالكية والأوزاعي والليث. وقد مرّ في حديث إسماعيل بن أُمية بيان سبب مشروعية الغُسل فاستدل به

<<  <  ج: ص:  >  >>