هذه الرواية ذكر الغاية بغير ابتداء، والمعنى خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو شهدت الخروج معه حتى أتى وكأنه حذف لدلالة السياق عليه والعَلَم بالتحريك الشيء الشاخص يقال للمنار وللجبل وللراية وللعلامة، وإنما بنى كثير بن الصلت. داره بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بمدة لكنها لما صارت شهيرة في تلك البقعة وصف المصلى بمجاورتها. قال ابن سعد: كانت دار كثير بن الصلت قبلة المصلى في العيدين، وهي تطل على بطن بطحان الوادي الذي في وسط المدينة.
وقوله:"تهوي بيدها إلى حلَقها" أي: تمدها نحوها وتميها إليها. يقال: أهوى يده وييده إلى الشيء ليأخذه، وحلَقها بفتح اللام جمع حلقة وهي الخاتم لا فص له.
وقوله:"في ثوب بلال" من الإلقاء وهو الرمي وفي رواية أبي داود "فجعلن النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن". وهذا الحديث قد مرّت مباحثه مستوفاة في باب (عظة الإِمام النساء) من كتاب العلم.
[رجاله خمسة]
وفيه لفظ رجل مبهم وكثير بن الصلت وقد مرّت رجاله إلا عبد الرحمن، مرّ عمرو بن علي الفلاس في السابع والأربعين من الوضوء ومرّ يحيى القطان في السادس من الإيمان، وسفيان الثوري في السابع والعشرين منه، ومرّ ابن عباس من بدء الوحي. وعبد الرحمن هو ابن عابس بن ربيعة النخعي الكوفي ذكره ابن حِبّان في "الثقات" وقال ابن معين وأبو حاتم والنَّسائيّ: ثقة. وقال العجلي: ثقة، ووثقه ابن نمير وابن وضاح روى عن أبيه وعمه مخرمة وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم. وروى عنه الثوري وشعبة وحجاج بن أرطأة وغيرهم. مات سنة تسع عشرة ومئة. وكثير بن الصلت بن معدي كرب بن وليعة الكندي يكنى أبا عبد الله حليف قريش وعدادهم في بني جمح، ثم تحولوا إلى العباس. قال ابن سعد: وقد عمومته إلى النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فأسلموا ثم رجعوا إلى اليمن فارتدوا وقتلوا يوم النحر، ثم هاجر كثير وزبيد وعبد الرحمن بنو الصلت إلى المدينة. قال ابن سعد: ولد كثير في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان له شرف وحال جميلة. وأورده ابن حِبّان في التابعين، وأخرج ابن سعد بسند صحيح إلى نافع أن اسم كثير بن الصلت كان قليلًا فسماه عمر كثيرًا. وروى أبو عوانة أن الذي سمّاه كثيرا النبي عليه الصلاة والسلام والأول أصح فكأنه كان ولد قبل أن يهاجر أبوه وهاجر به معه، ثم رجع إلى بلده ثم هاجر كثير. وقال محمد بن سلام الجمحي اختصم الشماخ وزوجته إلى كثير بن الصلت وكان عثمان أقعده للنظر بين الناس حديثه في النَّسائيّ، وله ذكر في "الصحيح". روى عن أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت وروى عنه يونس بن جبير وأبو علقمة. والرجل المبهم لم يسم.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والإفراد والسماع والقول. ورواته ما بين بصريّ وكوفيّ. أخرجه البخاري