ابن عباس في تكذيبه فقد ردَّه أبو حاتم بن حبّان بضعف يزيد بن أبي يزيد. وقال: إنه ليس ممن يحتج بنقل مثله؛ لأنه من المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح. قال: وعكرمة حمل عنه أهل القلم، الحديث والفقه في الأقاليم كلها، وما أعلم أحدًا ذمه بشيء إلا بدعابة كانت فيه.
ومما يثبت صدقه على مولاه ما رواه محمد بن فضيل قال: كنت جالسًا مع أبي امامة بن سهل بن حُنيف، إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أُمامة: أذكرك الله هل سمعت عبد الله بن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟ فقال أبو أُمامة: نعم. وإسناد هذا صحيح. وقال أبو جعفر بن جَرير: لم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن، وتأويله وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالمًا بمولاه.
روى عن مولاه، وعلي بن أبي طالب. والحسن بن علي، وأبي هُريرة، وابن عمر وابن عمرو، ومعاوية بن أبي سفيان، وجابر وغيرهم، وروى عنه إبراهيم النِّخَعِيّ، ومات قبله، وأبو الشَّعْثاء جابر بن زيدٌ والشَّعْبيّ، وهما من أقرانه، وأبو إسحاق السَّبيّعِيّ، وقتادة، وعاصم الأحول، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وعمرو بن دينار، وخلق كثير.
مات بالمدينة سنة خمس أو ست أو سبع ومائة عن ثمانين سنة، ومات يوم موته كُثَيِّر عزة الشاعر، فقيل: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس. وقال الدَّرَاوَرْدِيّ: ماتا في يوم واحد، وعجب الناس لموتهما واختلاف رأيهما، عكرمة يظن به رأي الخوارج يُكَفِّر بالذَّنْب، وكثيّر شيعي مؤمن بالرَّجْعة إلى الدنيا. وليس في الستة عكرمة بن عبد الله سواه، وأما عكرمة سواه، فستة.
الخامس: عبد الله بن عباس ومر في الخامس من بدء الوحي.
لطائف إسناده: منها أن فيه التحديث والعنعنة، ورواته بصريون ماعدا عبد الله بن عباس وعكرمة، وهما أيضًا قد سكنا البصرة، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، أخرجه البخاري هنا، وفي فضائل الصحابة عن مسدد وغيره،