الحَرَوْرِية. وقال ابن جَرير: لو كان كل من ادعي عليه مذهبٌ من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادّعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك لزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنهم ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب عنه به. وأما قبول الجوائز فلا يقدح إلا عند أهل التشديد، وجمهور أهل العلم على الجواز. وقد صنف في ذلك ابن عبد البرّ. وهذا الزُهْرِيّ قد كان في ذلك أشهر من عكرمة، ومع ذلك لم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك، وأما الطعن عليه بالكذب فأشد ما روي فيه عن ابن عمر أنه قال لنافع: لا تكذب عليّ، كما كذب عكرمة عن ابن عباس. ورُوي أيضا عن سعيد بن المُسَيّب أنه قال لمولاه بُرْدٍ ذلك. وروي عن يزيد بن أبي يزيد أنه قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيَّد، فقلت: ما لهذا؟ فقال: إنه يكذب على أبي. وقيل فيه غير ذلك.
فأما قول ابن عمر، فلم يثبت عنه؛ لأنه من رواية يحيى البَكّاء، ويحيى البكاء متروك الحديث، ومن المحال أن يُجْرح العدل بكلام المجروح. ولو ثبت عنه، كان محتملا لأوجه عديدة، لا يتعين منه القدح في جميع روايته، فيمكن أن يكون أنكر عليه مسألة من المسائل، كذَّبه فيها، لأنه روي عن ابن عمر أنه انكر عليه الرواية عن ابن عباس في الصرف، وذلك لا يوجب قدحًا. فقد روى الثقات عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال: إذا قيل له: إن نافعا مولى ابن عمر حدث عنه في مسألة "الاتيان المحلّ المكروه" كذب العبد على أبي، ولم ير ذلك جرحًا في نافع، فكذلك عكرمة.
وأيضًا فإن أهل الحجاز يطلقون كذَب على "أخطأ" فقد روي أن عُبادة ابن الصّامت قال: كذب أبو محمد، لمّا أخبر أنه يقول: الوِتر واجب، وأبو محمد لم يقله رواية , وإنما قاله اجتهادًا. والاجتهاد لا يقال فيه "كذب". وإنما يقال فيه "خطأ"، وأما ما روي عن ابن المُسَيّب فلا يبعد أن يكون ما حكي عنه مثل ما حكي عن ابن عمر، وأما ما روي عن علي بن عبد الله