أبدًا أي: لا أجادلك، وأصل المراء استخراج ما عند الإنسان، يقال: أمرا فلان فلانًا إذا استخرج ما عنده، قاله ابن الأنباري واطلق ذلك في المجادلة، لأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة. وفي الحديث من الفوائد مناظرة الصحابة في الأحكام، ورجوعهم إلى النصوص وقبولهم لخبر الواحد ولو كان تابعيًا، وإن قوله بعضهم ليس بحجة على بعض، قال ابن عبد البر: لو كان معنى الاقتداء في قوله عليه الصلاة والسلام: "أصحابي كالنجوم" يراد به الفتوى لما احتاج ابن عباس إلى إقامة البينة على دعواه، بل كان يقول: للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه، ولكن معناه كما قال المزني وغيره من أهل النظر. إنه في النقل لا جميعهم عدول، وفيه اعتراف للفاضل بفضله، وإنصاف الصحابة بعضهم بعضًا.
وفيه استتار الغاسل عند الغسل، والاستعانة في الطهارة، وجواز السلام حالة الطهارة، وجواز غسل المحرم، وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره واستدل به القرطبي -على وجوب الدلك في الغسل-، قال: لأن الغسل لو كان يتم بدونه لكان المحرم أحق بأن يجوز له تركه، ولا يخفى ما فيه واستدل به على أن تخليل شعر اللحية في الوضوء باقٍ على استحبابه، خلافًا لمن قال يكره، كالمتولي من الشافعية، خشية انتتاف الشعر لأن في الحديث، ثم حرك رأسه. بيده، ولا فرق بين شعر الرأس واللحية إلاَّ أن يقال إن شعر الرأس أصلب، والتحقيق أنه خلاف الأولى في حق بعض دون بعض، قاله السبكى الكبير.
[رجاله ثمانية]
مرَّ منهم عبد الله بن يوسف ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ ابن عباس في الخامس منه، ومرَّ زيد بن أسلم في الثاني والعشرين من الإيمان، ومرَّ أبو أيوب في العاشر من
الوضوء ومرَّ المسور بن مخرمة في الرابع والخمسين منه، والباقي اثنان الأول إبراهيم بن عبد الله بن حنين الهاشمي مولاهم المدني أبو إسحاق، قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، روى عنه أبيه، وأبي هريرة، وأبي مرة مولى عقيل وأرسل عن علي بن أبي طالب، وروى عنه الزهري، وشريك بن أبي نمر، وابن إسحاق وغيرهم، توفي سنة بضع ومائة، الثاني أبو الأول عبد الله بن حنين مولى العباس، ويقال: مولى عليّ ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال أسامة بن زيد الليثي: دخلت عليه أيام استخلف يزيد بن عبد الملك، وكان موته قريبا من ذلك، روى عن علي وابن عباس وأبي أيوب وابن عمر وغيرهم، مات في ولاية يزيد بن عبد الملك.
أخرجه مسلم في الحج، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه.