الترجمة الحكم في خوف ضياع المال عند الشافعية والمالكية، وعندهم أي المالكية، إذا انفلتت الدابة يجوز له المشي إليها قدر ثلاثة صفوف، وإن على جنبه أو قهقرى، فإن تباعدت عن ذلك، قطع الصلاة وطلبها، إذا كان في سعة من الوقت، وإلاّ تمادى وإن ذهبت، ما لم يكن في مفازة يخاف على نفسه إن تركها هلاكًا أو شديد أذى.
والظاهر أنَّ المراد بالوقتِ الضروريُّ. وقال محمد بن الحسن: فأخذ بما فعل أبو برزة من ذهابه إلى دابته، ورجوعه على عقبيه، حتى صلى الركعتين الباقيتين. قال: فالصلاة تجزىء مع ما صنع، لا يفسدها الذي صنع؛ لأنه رجع على عقبيه، ولم يستدبر القبلة حتى لو جعلها خلف ظهره فسدت صلاته. قال العينيّ: ثم ليس في هذا الحديث الفصل بين المشي القليل والكثير، فهذا يبين لك أن المشي في الصلاة مستقبلَ القبلة لا يبطلُ الصلاة، وإن كَثُر. قلت: قد مرَّ لك ما يدل على أن الواقع في الحديث هو المشي القليل، وقد مرَّ أن إجماع الفقهاء على أن المشي الكثير يبطل الصلاة، ثم وبعض مشائخنا، أولوا هذا الحديث، واختلفوا فيما بينهم في التأويل، فمنهم من قال: تأويله أنه لم يجاوز موضع سجوده، فأما إذا جاوز ذلك، فإن صلاته تفسد؛ لأنّ موضع سجوده في الفضاء مصلاه، وكذلك موضع الصفوف في المسجد، وخطأه في مصلاه عفو، ومنهم من قال: تأويله أن مشيه لم يكن متلاصقًا، ثم مشى خطوة فسكن، ثم مشى خطوة، وذلك قليل. وإنه لا يفسد الصلاة. أما إذا كان المشي متلاصقًا تفسد، وإن لم يستدبر القبلة؛ لأنه عمل كثير.
ومن المشائخ من أخذ بظاهر الحديث، ولم يقل بالفساد، قلَّ المشي أو أكثر، استحسانًا، والقياس أن تفسد صلاته إذا أكثر المشي، إلا أنا تركنا القياس بحديث أبي برزة، رضي الله تعالى عنه، وأنه خُصَّ بحالة العذر. ففي غير حالة العذر يعمل بقضية القياس. وفي الحديث جواز حكاية الرجل إذا احتاج إلى ذلك، ولم يكن في سياق الفجر.
[رجاله أربعة]
وفيه لفظ رجل مبهم، مرَّ منهم شُعبة وآدم في الثالث من الإيمان، ومرَّ أبو برزة في الثاني عشر من مواقيت الصلاة، والرجل المبهم لم يُسَمَّ، والرابع الأزرق ابن قيس الحارثيّ البصريّ. قال النسائي: ثقة، قال ابن سعد: ثقة إن شاء الله تعالى، وقال ابن مُعين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال الدارقطني: ثقة مأمون، وذكره ابن حِبّان في الثقات، روى عن ابن عمر وأنس وأبي برزة الأسلميّ وغيرهم. وروى عنه سليمان التّيمي، والحمّادان وشُعبة وغيرهم. مات في ولاية خالد على العراق.