قوله:"يسروا" أمرٌ من اليسر نقيض العسر. وقوله:"ولا تعسروا" نهيٌ من عسَّر تعْسيرًا، واستشكل الإِتيان بالثاني بعد الأول مع أن الأمر بالإِتيان بالشيء نهي عن ضده. وأجيب بأنه صرح باللازم للتأكيد، وبأنه لو اقتصر على الأول لصدق على من يسر مرة، وعسر كثيرًا، فلما قال:"ولا تُعسِّروا" انتفى التعسير في كل الأحوال من جميع الوجوه، وكذا الجواب عن قوله:"ولا تنفروا". وقوله:"وبشرِّوا" أمر من البِشارة، وهي الإِخبار بالخير، ضد النَّذَارة. وقوله:"ولا تُنَفِّروا" نهي من نَفَّر، بالتشديد، أي: بشِّروا الناس أو المؤمنين، بفضل الله وثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، ولا تُنفِّروهم بذكر التخويف، وأنواع الوعيد. والمراد تأليفُ من قَرُب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء. وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل. وكذا تعليم العلم، ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلًا حُبِّبَ إلى من يدخل فيه، وتلقَّاه بانبساط، وكانت عاقبته غالبًا، الازدياد، بخلاف ضده.
ووقع عند المصنف في الأدب "وسكِّنوا" بدل "وبشرِّوا"، وهي التي تقابل "ولا تنفروا" لأن السكون ضد النفور، كما أن ضد البشارة النذارة، لكن لما كانت النذارة، وهي الإِخبار بالشر في ابتداء التعليم، توجب النَّفْرة، قوبلت البشارة بالتنفير. ويقال أيضًا: المقصود من الإِنذار التنفير، فصرح بما هو