وقال القُرْطُبى: معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهًا غير الذي أخذ صاحبه, لأنّ تقدم الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد للقلب، الداعي إلى القطيعة، والحاصل أن المراد بالوجه، إن حمل على العضو المخصوص، فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفة أو جعل المقدام وراء، وإن حمل ذات الشخص، فالمخالفة بحسب المقاصد، ويحتمل أن تكون المخالفة في الجزاء، فيجازي المسوي بخير، ومن لا يسوي بشر. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يُوَكّل رجلًا بإقامة الصفوف، فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت.
وعند مسلم عن النعمان بن بَشِير: كان يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القِداح، حتي رأى أنا قد عَقَلنا عنه، خرج يومًا حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلًا بادياً صدره فقال:"عباد الله لَتُسَوُّنَّ صفوفكم" الحديث.
[رجالة خمسة]
قد مروا إلا عمرو بن مُرَّة، مرَّ أبو الوليد في العاشر من الإيمان, ومرَّ شُعْبَةُ في الثالث منه، ومرَّ النّعمان بن بَشِير في الخاص والأربعين منه، ومرَّ سالم بن الجَعْد في السابع من الوضوء، وأخطأ العَيْنيّ في قوله إنه مرَّ في باب فضل من استبرأ لدينه من الإيمان, فإن ذلك عليّ بن الجَعْد.
وأما عمرو فإنه ابن مُرّة بن عبد الله بن طارق بن الحارث بن سَلَمة بن كَعْب بن وائل بن جَمَل بن كِنانة بن ناجِيَة بن مُراد، الجَمَلِيّ المُراديّ، أبو عبد الله الكُوفي الأعمى، زكّاه أحمد بن حنبل. وقال ابن مَعِين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، كان يرى الإرجاء. وقال حَفْص بن غِيَاث: ما سمعت الأعمش يثني على أحد إلا على عمرو بن مُرة، فإنه كان يقول: كان مأمونًا على ما عنده. وقال شُعْبَةُ: كان أكثرهم علمًا. وقال أيضًا: ما رأيت أحدًا من أصحاب الحديث إلا يُدَلِّس، إلا ابن عون وابن مُرة. وقال أيضًا: ما رأيت عمرو بن مرة في صلاة قط إلا ظننت أنه لا ينفتل حتى يستجاب له.
وقال عبد الملك بن مَيْسَرَة في جنازته: إني لأحسبه خير أهل الأرض. وقال مِسْعَر: لم يكن بالكوفة أحب إليّ ولا أفضل منه. وقال أيضًا: عمرو من معادن الصدق، وقال ابن مهدي: أربعة بالكوقة لا يختلف في حديثهم، فمن اختلف عليهم فهو يخطىء، منهم عمرو بن مُرَّة. وقال مُغيرة: لم يزل في الناس "بَقية" حتى دخل عمرو في الإرجاء، فتهافت الناس فيه. روى عن عبد الله بن أبي أوفى وأبي وائل وسعيد بن المُسَيِّب وسعيد بن جُبَيْر وغيرهم. وروى عنه ابنه عبد الله وأبو إسحاق السَّبيعيّ، وهو أكبر منه، والأعمش والثَّوري والأوزاعيّ وشُعْبَة وغيرهم. مات سنة ست عشر ومئة. وقيل ثمانية عشر، وأخطأ العَيْنيّ فجعل صاحب السند عمرو بن مُرَّةَ الجُهَنِي، أبو طَلْحة، وهذا خطأ كبير، فإن هذا صحابى، وصاحب السند من صغار التابعين. والجَمَلي في نسبه، بالتحريك، نسبة إلى جده المذكور في نسبه، جَمَل بن كِنانة رهط سَيْفَويه القاضي، وولده هِنْد بن