وقوله:"ليتعذر في مرضه أين أنا اليوم"، وهو بالعين المهملة والذال المعجمة، أي: يتمنع، وحكى ابن التين في رواية القابسيّ بالقاف والدال المهملة، أي يسأل عن قدر ما بقي إلى يومها، لأن المريض يجد عند بعض أهله من الإنس ما لا يجد عند بعض، وقد مرَّ عند حديثها في باب الغُسل والوضوء في "المخضب" من كتاب الوضوء ما قيل في إذْن أزواجه في تمريضه عليه الصلاة والسلام في بيتها، ومرّ ما قيل في ابتداء مرضه وقدره ويوم موته مستوفىً في باب "حد المريض أن يشهد الجماعة" من أبواب الجماعة.
وقوله:"قبضه الله بين سَحْرِي ونَحْرِي، ودفن في بيتي" السَّحْر، بفتح المهملة وسكون الحاء المهملة، هو الصدر، وهو في الأصل الرئة، والنَحْر، بفتح النون وسكون المهملة، والمراد به موضع النحر، وأغرب الداوديّ فقال: هو ما بين الثديين، قلت: لا إغراب فيما قال، بل هو ظاهر اللفظ، وفي روايتها في مرض موته عليه الصلاة والسلام:"وكانت تقول مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي" والحاقنة بالمهملة والقاف ما سفل من الذقن، والداقنة ما علا منه، أو الحاقنة نُقرة التَّرْقُوة، وهما حاقنتان، ويقال: إن الحاقنة المطمئن من الترقوة والحلق، وقيل ما دون الترقوة من الصدر. وقيل: هي تحت السُّرة، وقال ثابت: الحاقنة طَرَف الحلقوم.
والحاصل أن ما بين الحاقنة والذاقنة هو ما بين السحر والنحر، والمراد أنه عليه الصلاة والسلام مات ورأسه بين حنكها وصدرها، وهذا لا يغاير حديثها، الآتي في مرضه عليه الصلاة والسلام، حيث قالت:"إن رأسه كان على فخذها؛ لأنه محمول على أنها رفعته من فخذها إلى صدرها" وفي رواية ذكوان عن عائشة "تُوفي في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْري ونحري، وإن الله جمع ريقي وريقه عند موته في آخر يوم من الدنيا"، وفي رواية همام عن هشام عند أحمد نحوه، وزاد "فلما خرجت نفسه لم أجد ريحاً قط أطيب منها".
وقد وردت أحاديث أنه مات -صلى الله عليه وسلم- ورأسه في حجر عليّ، وهي تعارض حديث عائشة، ولكن لا تخلو طريق منها من شيعيّ أو ضعيف، والأحاديث هي هذه. ساق ابن سعد حديث جابر "سأل كعب الأحبار عليًا: ما كان آخر ما تكلم به النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي، فقال: الصلاةَ الصلاةَ، فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء" وفي سنده الواقدي، وحرم ابن عثمان، وهما متروكان.