قوله: لتُسَوُّنَّ, بضم المثناة وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون، وللمُسْتَمِلي "لتسوُّوْنَ" بواوين: قال البَيْضَاوِيّ: هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم، والقسم هنا مقدرة، ولهذا أكد بالنون المشددة, وفي رواية أبي داود إبراز القسم في هذا الحديث. أخرجه عن النُّعمان بن بشير قال:"أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثًا، والله لَتُقِيمُنَّ صفوفكم, أوليخالِفَنَّ الله بين قلوبكم". قال: فلقد رأيت الرجل منا بلزق منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعبه, والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد، أو يراد بها سد الخَلَل الذي في الصف، فقد أخرج أبو داود، وصححه ابن خُزَيْمة والحاكم، عن ابن عمر "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسُدُّوا الخلل، ولا تَذَروا فُرُجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفًا قطعه الله".
وقوله: أو لَيُخاِلفَنَّ الله بين وجوهكم، أي إن لم تسووا، واختلف في الوعيد المذكور. فقيل: هو علي حقيقته, والمراد تسوية الوجه بتحويل خلقه عن وضعه، بجعله موضع القفا، ونحو ذلك فهو نحو نظير ما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام؛ أن يجعل الله رأسه رأس حمار، وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية، وهي المخالفة، وعلى هذا فهو واجب، والتفريط فيه حرام, يأتي البحث في ذلك قريبًا في باب "إثم من لم يتم الصفوف" إن شاء الله تعالى. ويؤيد حمله عل ظاهره حديث أبي أُمَامة "لتسون الصفوت أو لَتُطْمَسَنَّ الوجوه" في إسناده ضعف، ولهذا قال ابن الجَوْزِيّ: الظاهر أنه مثل الوعيد المذكور في قوله {قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}[النساء: ٤٧] ومنهم حمله على المجاز. قال النّوَوِيّ: يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما تقول: تَغَيّر وجه فلان عَلَيّ أي: ظهر لي من وجهه كراهية, لأنّ مخالفتهم في الصفوف في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. ويؤيده رواية أبي داود المارة "أو ليخالفن الله بين قلوبكم".