وقد أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء أن عائشة كانت تصلي في السفر أربعًا فإذا احتجوا عليها تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في حرب وكان يخاف، فهل تخافون أنتم. وقد قيل في تأويل عائشة: إنما أتمت في سفرها إلى البصرة في قتال علي، والقصر عندها إنما يكون في سفر طاعة، وهذان القولان باطلان لاسيما الثاني، ولعل قول عائشة هذا هو السبب في حديث حارثة بن وهب الماضي قبل ببابين حيث قال فيه: آمن ما كان بمنىً. وقد جاء عنها سبب الإتمام صريحًا فيما أخرجه البيهقي عن عروة أنها كانت تصلي في السفر أربعًا، فقلت لها: لو صليت ركعتين، فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي. وإسناده صحيح، وهو دال على إنها تأوّلت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل، ويدل على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى والطبراني بإسنادٍ جيد عن أبي هريرة أنه سافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع أبي بكر وعمر فكلهم كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير، وفي المقام بمكة.
قال الكرماني ما ملخصه: تمسكت الحنفية بحديث عائشة في أن الفرض في السفر أن يصلي الرباعية ركعتين، وتعقب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة، وعندهم العبرة بما رأى الراوي، إذا عارض ما روى، ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن؛ لأنه يدل على أنها فرضت في الأصل ركعتين واستمرت في السفر، وظاهر القرآن أنها كانت أربعًا فنقصت، وقد مرّ استيفاء الكلام على هذا عند هذا الحديث في أوّل كتاب الصلاة، ثم إن قولها:"الصلاة" تعم الخمس، وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقًا، والصبح بعدم الزيادة فيها في الحضر والعام إذا خص ضعفت دلالته حتى اختلف في بقاء الاحتجاج به.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، مرّ عبد الله بن محمد المسندي في الثاني من الإيمان، ومرّ ابن عيينة في الأول من بدء الوحي، والزهري في الثالث منه، وعروة وعائشة في الثاني منه.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والعنعنة والقول. وشيخ البخاري من أفراده، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية، ورواته بخاري ومكي ومدنيون. أخرجه البخاري أيضًا في أوّل كتاب الصلاة، ومسلم والنسائي في الصلاة. ثم قال المصنف: