[باب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء البخاري]
قال الزين بن المنير: عدل عن لفظ العيون الواقع في الخبر إلى الماء البخاري، ليُجريه مجرى التفسير للمقصود من ماء العيون، وأنه الماء الذي يجري بنفسه من غير نضح، وليبين أن الذي يجري بنفسه من نهر أو غدير حكمه حكم ما يجري من العيون، وكأنّه أشاء إلى ما في بعض طرقه، فعند أبي داود "فيما سقت السماء والأنهار والعيون .. " الحديث.
ثم قال: ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئًا. قال ابن المنير: مناسبة أثر عمر في العسل للترجمة، من جهة أن الحديث يدل على أن لا عُشر فيه؛ لأنه خص العُشر أو نصفه بما يسقى، فأفهم أن ما لا يسقى لا يُعَشِّر. زاد ابن رشيد فإن قيل: المفهوم إنما ينفي العُشر أو نصفه، لا مطلق الزكاة، فالجواب أن الناس قائلان: مثبت للعشر، وناف للزكاة، فتم المراد.
قال: ووجه إدخاله العَسل أيضًا للتنبيه على الخلاف فيه، وأنه لا يرى فيه زكاة، وإن كانت النحل تتغذى بما يسقى من السماء، لكن المتولد بالمباشرة كالزرع، ليس كالمتولد بواسطة حيوان كاللبن، فإنه متولد عن الرعى، ولا زكاة فيه قطعًا، وكان البخاريّ أشار إلى تضعيف ما رُوي أن في العسل العُشر، وهو ما أخرجه عبد الرزاق عن أبي هُريرة قال:"كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل اليمن أنْ يؤخذ من العسل العُشر". وفي إسناده عبد الله بن مُحَرَّر، بمهملات وزن محمد، وهو متروك. ولا يصح في زكاة العسل شيء. قال التِّرمِذيّ: لا يصح في هذا الباب شيء، وقال الشافعيّ في "القديم" حديث "إنّ في العسل العشر" ضعيفٌ، وفي أن لا يؤخذ منه العُشر ضعيف، إلا عن عمر بن عبد العزيز.
ورى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن طاووس أن معاذًا لما أتى اليمن قال: لم أومر فيهما بشيء، يعني العسل وأوقاص البقر، وهذا منقطع، وأما ما أخرجه أبو داود والنَّسائيّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:"جاء هلال أحد بني مُتعان، بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعشور نحله، وكان سأله أن يحمي له واديًا فحماه له"، فلما ولي عمر كتب إلى عامله: إنْ أدّى إليك عشور نحله فاحم له سَبْلة، وإلا فلا، وإسناده صحيح إلى عمرو، وترجمة عمرو قوية على المختار، لكن حيث لا تعارض. وقد ورد ما يدل على أن هلالًا أعطى ذلك تطوعًا، فعند عبد الرزاق أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة، إلا إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذها، فجمع عثمان أهل العسل، فشهدوا أن هلال بن سعد قدم على النبيّ