فقهاء الأمصار، إلاَّ أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير، حال ابتداء الصلاة. والحجة لذلك حديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يتطوع في السفر استقبل بناقته القبلة، ثم صلّى حيث توجهت ركابه، أخرجه أبو داود وأحمد والدارقطني. وقد مرّ عند حديث عامر بن ربيعة ما قيل من الخلاف في الصلاة على الدابة في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة، فمنعه مالك وجوزه الجمهور، واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، وقد أجمعوا على أن مَنْ كان خارج المصر على ميل أو أقل، ونيته العود إلى منزله لا إلى سفر آخر، ولم يجد ماءً، أنه يجوز له التيمم.
قال: فكما جاز له التيمم في هذا جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، مرّ محل الليث وابن شهاب في الذي قبله، ومرّ يونس بن يزيد في متابعة بعد الرابع من بدء الوحي، ومرّ سالم بن عبد الله في السابع عشر من الإيمان، ومرّ أبوه عبد الله في أوله قبل ذكر حديث منه، وهذا الحديث أتى به معلقًا، وقد مرّ أن الإسماعيلي وصله.
قوله:"أن يصلي المكتوبة" نزل فلا يصلي الفريضة على الدابة. قال القسطلاني: يعني إذا كانت سائرة، فلو صليت على هودج عليها، وهي واقفة صحت، وكذا لوكان في سرير يحمله رجال وإن مشوا به بخلاف الدابة السائرة، لأن سيرها منسوب إليه، بدليل جواز الطواف عليها، وفرق المتولي بينها وبين الرجال السائرين بالسرير بأنَّ الدابة لا تكاد تثبت على حالةٍ واحدةٍ، فلا تراعي الجهة، بخلاف الرجال، قال: حتى لو كان للدابة من يلزم لجامها ويُسيرها، بحيث لا تختلف الجهة، جاز ذلك.
قلت: مذهب مالك أن الصحيح لا تجوز له الصلاة على الدابة إلاَّ لعذر كالخوف في الالتحام، أو خوفٍ من سبع أو لص فيصليها على الدابة، وإنْ لغير القبلة، وكذلك يُصليها عليها إذا كان في خضخاض لا يطيق النزول به لخوف الغرق أو لخوف تلويث ثيابه على أحد قولين مشهورين. وهل تقيد بفسادها بالغسل أو لا؟ قولان: الأظهر الثاني، ولابد من خوف خروج الوقت ومن استقباله الفبلة. وأما المريض فإنْ كان لا يطيق النزول صلّى على الدابة من غير اعتبار، وإن كان يطيق النزول صلّى على الدابة إيماءً مستقبلًا للقبلة، موقفة له إذا كان إذا نزل صلّى على