من الدنيا وما فيها"، وتعقبه ابن حزم بأن قوله: "إنها من الجنة" مجازٌ إذ لو كانت حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة، كما يقال في اليوم الطيب: هذا من أيام الجنة، وكما قال صلى الله تعالى عليه وسلم: "الجنة تحت ظلال السيوف"، قال: فلو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلاَّ لتلك البقعة خاصة، فإنْ قيل: إن ما قَرُب منها أفضل مما بعد، لزمهم أن يقولوا إن الجُحفة أفضل من مكة، ولا قائل به.
قلت: ما تُعُقِّعب به الاستدلال باطلٌ؛ لأن قوله: إن الصلاة فيها تؤدي إلى دخول الجنة، أي: فضيلة مثل هذه الفضيلة، وأي بقعة قيل فيها هذا القول غير هذه البقعة. لا في مكة ولا في غيرها، وما قاله من لزوم تفضيل الجحفة على مكة باطل غير وارد، فإن الكلام في تفضيل مكة أو المدينة، فلا يتعدى إلى ما ليس داخلًا في مسمى إحداهما من البلاد، ويا ليت شعري، ما حمله على التأويل مع أنه ظاهريّ يحمل الأحاديث على ظاهرها دائمًا؟ وقد مرّ الاستدلال بهذا الحديث عند حديث "صلاة في مسجدي هذا الخ".
[رجاله خمسة]
قد مرّوا؛ مرّ عبد الله بن يوسف ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ عبد الله بن أبي بكر في الرابع والعشرين من الوضوء، ومرَّ عباد بن تميم وعبد الله بن زيد في الثالث منه.
فيه التحديث والإخبار بالجمع والعنعنة، ورواته مدنيون ما عدا شيخه، فإنه مصريّ، وفيه الرجل عباد عن عمه، أخرجه مسلم أيضًا في المناسك، والنَّسَائِيّ فيها وفي الصلاة.
قوله: عن عبيد الله، هو ابن عمر العمريّ، وثبت ذلك في رواية أبي ذَرٍّ والأصيليّ، وقوله: "ومنبري على حوضي" سقطت هذه الجملة من رواية أبي ذَرٍّ، ومعناها أنه ينقل يوم القيامة، فينصب على الحوض، أي نهر الكوثر الكائن داخل الجنة، لا حوضه الذي هو خارجها بجانبها، المستمد من الكوثر. قال الأكثر: المراد منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه، وقيل: المراد المنبر الذي يوضع له يوم القيامة، والأول أظهر، ويؤيده حديث أبي واقِد اللَّيْثِيّ، رفعه "إن قوائم منبري رواتب في الجنة" وقيل: معناه أن قصد منبره والحضور عنده، لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه إلى الحوض، ويقتضي شربه منه، وعند النِّسائي "ومنبري على تُرْعَةِ من ترع الجنة".