وقوله:"ألا نغزو أو نجاهد" هذا شك من الراوي وهو مسدد، وأخرجه الإسماعيلي عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ ألا نغزو معكم، وأغرب الكرماني فقال: ليس الغزو والجهاد بمعنى واحد، فإن الغزو القصد إلى القتال، والجهاد بذل النفس في القتال. قال: أو ذكر الثاني تأكيدًا للأول.
وكأنه ظن أن الألف تتعلق بنغزو، فشرح على أن الجهاد معطوف على الغزو بالواو، أو جعل (أو) بمعنى الواو، وقد أخرجه النسائي عن حبيب بلفظ ألا نخرج فنجاهد معك؛ ولابن خزيمة عن حبيب مثله، زاد فإنا نجد الجهاد أفضل الأعمال وللإسماعيلي عن حبيب: لو جاهدنا معك قال: "لا جهاد ولكن حج مبرور". وقد مرَّ في أوائل الحج عن حبيب، بلفظ ترى الجهاد أفضل العمل، فظهر أن التغير بين اللفظين من الرواة فيقوى أن أو للشك.
وقوله:"لكن أحسن الجهاد" تقدم نقل الخلاف في توجيهه في أوائل الحج في باب فضل الحج وهل هو بلفظ الاستدراك أو بلفظ خطاب النسوة.
وقوله:"الحج حج مبرور" في رواية جرير: حج البيت حج مبرور، وسيأتي في الجهاد من وجه آخر، عن عائشة بنت طلحة بلفظ: استأذنه نساؤه في الجهاد فقال: "يكفيكن الحج" ولابن ماجه عن حبيب قلت: يا رسول الله! على النساء جهاد؟ قال:"نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" قال ابن بطال: زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل أن قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} يقتضي تحريم السفر عليهن، قال: وهذا الحديث يرد عليهم، لأنه قال: لكن أفضل الجهاد، فدل على أن لهن جهادًا غير الحج، والحج أفضل منه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله:"لا" في جواب قولهن: ألا نخرج فنجاهد معك؟ أي: ليس ذلك واجبًا عليكن، كما وجب على الرجال، ولم يرد بذلك تحريمه عليهن، فقد ثبت في حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى، وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهن، كما أبيح للرجال تكرير الجهاد، وخص به عموم هذه، ثم ظهور الحصر، وقوله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وكأن عمر كان متوقفًا في ذلك، ثم ظهر له قوة دليلها فأذن لهن في آخر خلافته، ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضًا،