وأخرجه مسلم وأحمد من هذا الوجه بدونها، وفي الحديث أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة، وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال، وحسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح. وفيه دلالة لمن يقول إن الفقير أسوأ حالًا من المسكين، وأن المسكين الذي له شيء، لكنه لا يكفيه، والفقير الذي لا شيء له، كما تقدم توجيهه. ويؤيده قوله تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها، وهذا قول الشافعيّ وجمهور أهل الحديث والفقه. وعكس آخرون فقالوا: المسكين أسوأ حالًا من الفقير، وقال آخرون: هما سواء، وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك، وقيل: الفقير الذي يسأل، المسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال، وظاهره أيضًا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال، لكن قال ابن بطال: معناه المسكين الكامل، وليس المراد نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل هي مثل قوله "أتدرون ما المفلس؟ " الحديث، وقوله تعالى {لَيْسَ الْبِرَّ ...} الآية. وكذا قرره القرطبيّ وغير واحد.
[رجاله أربعة]
قد مرّوا، مرّ حجّاج بنُ منهال في الثامن والأربعين من الإيمان ومرّ شعبة في الثالث منه، وأبو هريرة في الثاني منه، ومرّ محمد بن زياد في الثلاثين من الوضوء.
ذكره هنا مختصرًا، وذكره في كتاب الأدب والرِّقاق تامًا، فزاد فيه "عقوق الأمهات، ومنعًا وهات ووأد البنات" قوله: كره لكم ثلاثًا، قيل: وقال في رواية الشعبي: كان ينهى عن قيل وقال، وكذا للأكثر في جميع المواضع بغير تنوين، وفي رواية الكشميهنيّ: قيلًا وقال، والأول أشهر، وفيه تعقب على من زعم أنه جائز، ولم تقع به الرواية. قال الجوهريّ: قيل وقال اسمان، يقال: كثيرُ القيلِ والقالِ، فاستدل على أنهم اسمان بدخول الألف واللام. وفي حرف ابن مسعود {ذلك عيسى بن مريم قالُ الحق} بضم اللام، وقال ابن دقيق العبد: الأشهر فتح اللام فيهما، على سبيل الحكاية، وهو الذي يقتضيه المعنى لأن القيل والقال لو كانا اسمين بمعنى واحد، كالقول، لم يكن لعطف أحدهما على الآخر فائدة، بخلاف ما إذا كانا فعلين. وقال المحب الطبري: إذا كانا