اسمين، يكون الثاني تأكيدًا، والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطأ.
وقال المحب الطبريّ: في قيلَ وقال ثلاثة أوجه:
أحدها أنهما مصدران للقول، تقول: قلت قولًا وقيلًا وقالًا، والمراد في الأحاديث الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام، لأنها تؤول إلى الخطأ. قال: وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه.
ثانيها: إرادة حكاية أقاويل الناس، والبحث عنها ليخبر عنها، فيقول: قال فلان كذا، وقيل كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، وإما لشيء مخصوص منه. وهو ما يكرهه المحكيُّ عنه.
ثالثها: أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين، كقوله: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك أن يكثر من ذلك بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل، وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت، ولكن يقلد من سمعه، ولا يحتاط لبيان الراجح. ويؤيد ذلك الحديث الصحيح "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع" أخرجه مسلم. وفي شرح المِشكاة، قوله: قيل وقال، من قولهم: قيل كذا، وقال كذا، وبناؤهما على كونهما فعلين محكيين متضمنين للضمير، والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خلوين من الضمير، ومنه قوله "إنما الدنيا قيل وقال" وإدخال حرف التعريف عليهما في قوله "ما يعرف القال القيل" لذلك.
وقوله: وإضاعة الأموال، وفي رواية الكشميهنيّ "وإضاعة المال" وقد مرّ استيفاء الكلام غاية على هذه الكلمة، عند ذكرها تعليقًا في باب "لا صدقة إلا عن ظهر غِنى". وقوله: وكثرة السؤال، هو موضع الترجمة من الحديث، قال ابن التين: فهم منه البخاري سؤال الناس، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات، أو ما لا حاجة للسائل به، ولذا قال عليه الصلاة والسلام:"ذروني ما تركتكم" وحمله على المعنى الأعم أولَى، ويستقيم مراد البخاري مع ذلك، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس، وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكرهه المسؤول غالبًا: وقد ثبت النهي عن الأُغلوطات. أخرجه أبو داود عن معاوية.
وثبت عن جمع من السلف كراهةُ تكلفِ المسائل التي يستحيل وقوعها عادةً، أو يندر جدًا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التَّنطُّع والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ. وقد قال مالك: والله لأخشى أن يكون هذا الذي أنتم فيه من تفريع المسائل مما نهى عنه، وأما ذكر في اللعان فكره النبي -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها، وكذا في التفسير في قوله تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فذلك خاص بزمان نزول الوحي، ويشير إليه حديث "أعظم الناس جرمًا عند الله من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته". وقد ثبت أيضًا ذم السؤال للمال، ومدح من لا يلحف