أي باللفظ، وكأن جابرًا لم يعرف أولًا أن المرادَ بالإشارةِ الردُّ عليه، فلذلك قال:"فوقع في قلبي ما الله أعلم به" أي من الحُزن، وكأنه أبهم ذلك إشعارًا بأنه لا يدخل في شدته تحت العبارة.
وقوله:"وَجَد عليّ" أي: بفتح أوله والجيم، أي: غضب. وقوله:"إني أبطأت" في رواية الكشميهنيّ، "أنْ أبطأت" بنون خفيفة. وقوله:"ثم سلمت عليه، فرد عليّ" أي: بعد أن فرغ من صلاته. وقوله:"إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي" ولمسلم "فرجعت وهو يصلي على راحلته، ووجهه على غير القبلة".
وفي هذا الحديث من الفوائد كراهة ابتداء السلام على المصلي، لكونه ربما شغل ذهنه بذلك، واستدعى منه الرد وهو ممنوع منه، وبذلك قال جابر راوي الحديث، وكره عطاء والشعبي، ومالك في رواية ابن وهب. وقال في "المُدَوّنة": لا يكره، وهو المشهور، وبه قال أحمد والجمهور. وقالوا: يرد إذا فرغ من الصلاة، أو هو فيها بالإشارة، وقد مرَّ قريبًا في الترجمة تحرير القول في ذلك. ومرَّ في كتاب الجمعة في باب الاستماع إلى الخطبة تحرير من يسلم عليه ومن لا، ومن لا يرد عليه، ومن لا يرد عليه في مذهب مالك. وبعض من غير مذهبه.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا إلا كثير، مرَّ أبو معمر عبد الوارث في السابع عشر من العلم، ومرَّ عطاء في التاسع والثلاثين منه، ومرَّ جابر في الرابع من بدء الوحي.
الخامس: كثير بن شِنْظِير، بكسر الشين، المازنيّ، ويقال الأزدي، أبو قُرّة البصريّ قال النسائى: ليس بالقويّ، ووثَّقه ابن سعد. وقال الساجيّ: صدوق، وفيه بعض الضعف. وقال أبو زرعة: ليّن، وقال في المقدمة: احتج به الجماعة سوى النَّسائيّ.
وجميع ما له عندهم ثلاثة أحاديث، أحدها عن عطاء عن جابر في السلام على المصلي، رواه الشيخان من حديث عبد الوارث عنه، وتابعه الليث عن أبي الزبير عن جابر. ثانيها حديثه بهذا الإِسناد في الأمر بتخمير الآنية، وكف الصبيان عند المساء، أخرجه البخاريّ وأبو داود والتِّرمذيّ من حديث حماد بن زيد عنه، وتابعه ابن جُريج. ثالثها انفراد ابن ماجه بإخراجه، والراوي عنه ضعيف.
روى عن عطاء ومجاهد والحسن وغيرهم، وروى عنه سعيد ابن عَرُوبة وعبد الوارث وحمَّاد بن زيد وغيرهم.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والعنعنة والقول، ورواته كلهم بصريون، أخرجه مسلم في الصلاة أيضًا. ثم قال المصنف: