أن كون أحد ما تقدم ذكره، من الجوع أو السبي أو القتل أو الإذلال أو غير ذلك. وقوله تعالى {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} الآية، حاق يعني نزل بهم سوء العذاب، أي: شدته. وقال الزمخشريّ: وحاق بآل فرعون ما هموا به من تعذيب المسلمين، ورجع عليهم كيدهم، يقال: حاق به شيء يحيق، أي: أحاط به، ومنه {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}. وقوله {النَّارُ يُعْرَضُونَ} بدل من قوله سوء العذاب، أو خبر مبتدأ محذوف، أي كأَنَّ قائلًا قال: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار. أو مبتدأ وخبره يعرضون عليها، وعرضهم عليها إحراقهم. يقال: عرض الأُسارى على السيف إذا قتلهم به. وقرىء النصب، وتقديره: يدخلون النار، ويجوز أن ينصب على الاختصاص، وقال ابن عباس: يعرضون أرواحهم على النار غُدُوًا وعشيًا، أي: في هذين الوقتين. وهكذا قال مجاهد وقتادة. وقال مقاتل: تعرض روح كل كافر على منازلهم من النار كل يوم مرتين.
وروى الطبريّ عن هُذيل بن شُرَحبيل قال: أرواح آل فرعون في طيور سودٍ تغدو وتروح على النار، فذلك عَرْضُها، ووصله ابن أبي حاتم عن لَيث، فذكر عبد الله بن مسعود فيه. وليث ضعيف، وسيأتي في الكلام على حديث ابن عمر، بعد بابين، بيانُ أن هذا العرض يكون في الدنيا قبل يوم القيامة. قال القرطبي: الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر. وقال غيره: وقع ذكر عذاب الدارين مفسرًا مبينًا في هذه الآية، لكنه حجة على من أنكر عذاب القبر مطلقًا، لا على من خصه بالكفار، واستدل بها على أن الأرواح باقية بعد فراق الأجساد، وهو قول أهل السنة كما مرَّ في المحلين المذكورين آنفًا، وكما سيأتي.
قوله: أُتِي ثم شهد، بضم الهمزة، أي: حال كونه مأتبًا إليه، والآتي المَلَكان مُنْكَر ونكير. وقوله: ثم شهد، في رواية الحمويّ والمستملي "ثم يشهد" هكذا ساقه المصنف بهذا اللفظ، وأخرجه الإسماعيليّ عن حفص بن عمر، شيخ المصنف، بلفظ أبين من لفظه، قال: إن المؤمن إذا شهد أن لا إله إلا الله، وعرف محمدًا في قبره، فذلك قوله .. الخ. وأخرجه ابن مردويه وغيره من هذا الوجه، بلفظ "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر عذاب القبر فقال: "إن المسلم، إذا شهد أن لا إله إلا الله، وعرف أن محمدًا رسول الله، والقول الثابت هو كلمة التوحيد, لأنها راسخة في قلب المؤمن.