عالم بالعلم، أو عالم بذاته، والتصديق بكونه مرئيًّا أو غير مرئي، فإن هذين التصديقين وأمثالهما غير داخلة في مسمى الإِيمان، فلهذا لا يَكْفُرُ منكر الاجتهاديات بالإِجماع، والتقييد بالجازم لإِخراج التصديق الظنيّ فإنه غير كافٍ في حصول الإِيمان، وقولهم فيه: مطلقًا أي: سواء كان لدليل أم لا، وقُيِّدَ بالإطلاق لدفع وَهْم خروج اعتقاد المقلد، فإن إيمانه صحيحٌ عند الأكثرين، وهو الصحيح، وتعبيرهم بمجرد التصديق، إشارة إلى أنه لا يُعتبر فيه كونه مقرونًا بعمل الجوارِح، ويأتي ما في ذلك من الخلاف قريبًا إن شاء الله تعالى، واقتصاره عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل الآتي على الإِيمان بالله وملائكته إلخ، ولم يَزِد الإِيمان بكل ما جاء به الرسول، إنما هو لاشتمال الإِيمان بالكتب عليه، لأن من جملتها القرآن، وفيه:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}[الحشر: ٧] فدل على وجوب اعتقاد كل ما جاء به، والعمل به. ثم قال:
١ - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "بني الإِسلام على خمس"
وسقط لفظ باب من رواية الأصِيلِيّ، وقد وصل الحديث بعدُ تامًا، والإِسلام لغة الانقياد والخضوع، ولا يتحقق ذلك إلا بقَبُول الأحكام، والإذعان، وذلك حقيقة التصديق كما مر، قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦] فالإيمان لا ينفك عن الإِسلام حكمًا، فهما مُتَّحدان في التصديق، وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإِيمان تصديق القلب، ومفهوم الإِسلام أعمال الجوارح، فلا يَصِحُّ في الشرع أن يُحْكَمَ على أحد بأنه مؤمن وليس بمسلم، أو مسلم وليس بمؤمن، ولا نعني بوحدتهما سوى هذا، ومن أثبت التغاير فقد يقال له: ما حكم من آمن ولم يُسلم، أو أسلم ولم يؤمن؟ فإن أثبت لأحدهما حكمًا ليس بثابت للآخر، فقد ظهر بطلان قوله، فإن قيل: قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات: ١٤] صريح في تحقيق الإِسلام بدون الإِيمان، فالجواب: إن المراد أنهم انقادوا في الظّاهر دون