وقوله:"فأتيته" الضمير لأبيه أي: فأتيت أبي بالدنانير المذكورة. وقوله:"والله ما إياك أردت" أي: لو أردت أنك تأخذها لناولتها لك ولم أوكل فيها أو كأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزىء أو يرى أن الصدقة على الأجنبي أفضل.
وقوله:"فخاصمته" تفسير لقوله أولًا خاصمت إليه. وقوله:"لك ما نويت" أي: إنك نويت أن تتصدق بها على مَنْ يحتاج إليها وابنك يحتاج إليها فوقعت الموقع، وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها. وقوله:"ولك ما أخذت يا مَعن" أي: لأنك أخذتها محتاجًا إليها. قال ابن رشيد: الظاهر أنه لم يرد بقوله: والله ما إيَّاك أردت، أي: أني أخرجتك بنيتي، وإنما أطلقت لمن تجزىء الصدقة عني عليه، ولم تخطر أنت ببالي، فأمضى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه فرض للوكيل بلفظ مطلق، فنفذ فعله.
وفيه دليل على العمل بالمُطْلَقات على إطلاقها، وإن احتمل أن المطلق لو خطر بباله فرد من الأفراد لقيد به. وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية، والتحدث بنعم الله، وفيه جواز التحاكم بين الابن والأب، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقًا، وجواز الاستخلاف في الصدقة، ولاسيما صدقة التطور؛ لأن فيه نوع إسرار، وفيه أن للمتصدق أجر ما نواه، سواء صادف المستحق أو لا، وأن الأب لا رجوع له في الصدقة على ولده، بخلاف الهبة، ويأتي إن شاء الله تعالى ما قيل في الصدقة على الأقارب في باب الزكاة على الأقارب.
[رجاله أربعة]
وفيه ذكر أبي معن يزيد، وجده، ولفظ رجل مبهم، مرَّ منهم محمد بن يوسف الغربائيّ في العاشر من العلم، ومرّ إسرائيل بن يونس في السابع والستين منه، والثالث أبو الجُويرية حطّان بن خُفاف، بالخاء أو بالجيم، ابن زهير بن عبد الله بن رُمْح بن عُرْعُرة الجَرْمِيّ، وثقه أحمد وابن مُعين وأبو زرعة. وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة لا بأس به، وذكره ابن حِبّان في الثقات. وقال ابن عبد البَرّ: أجمعوا على أنه ثقة، وقال العجليّ: كوفي ثقة، روى عن ابن عباس ومَعن بن يزيد وعبد الله بن بدر العجليّ وغيرهم. وروى عنه إسرائيل وزهير والسفيانان وشعبة وغيرهم.
الرابع: معن بن يزيد بن الأخنس بن حَبيب بن جرة بن زعب بن مالك بن عُوَيف بن عصية بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثنة بن سليم السُّلَميّ، أخرج عن الليث أنه شهد بدرًا مع أبيه وجده، ولم يتفق ذلك لغيره، ولم يتابع على ذلك، فقد روى أحمد والطبرانيّ عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفير عن يزيد بن الأخنس السُّلَمِيّ أنه أسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدةً أبت أن تُسلم، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فهذا دال على أن إسلامه كان متأخرًا؛ لأن الآية متأخرة الإنزال عن بدر.
دخل مصر وسكن الشام، وشهد وقعة مَرْج راهِط مع الضّحّاك بن قيس، وقتل فيها. ويقال: إنه