هذا الحديث مرّ الكلام عليه مستوفى عند حديث أبي هريرة المشابه له في باب (فضل الجمعة) وموضع الاستشهاد منه على الترجمة قوله: "ويستمعون الذكر" قال التيمي: في استماع الملائكة حض على استماعها والإنصات إليها، وعبّر بصيغة المضارع في "ويستمعون" لاستحضار صورة الحال اعتناء بهذه المرتبة وحملًا علي الاقتداء بالملائكة. وقد ذكر كثير من المفسرين أن قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ورد في الخطبة، وسميت قرآنًا لاشتمالها عليه. والانصات السكوت والاستماع شغل السمع بالسماع فبينهما عموم وخصوص من وجه. وقد مرّ عند حديث سلمان في باب (الدهن للجمعة) الكلام على هذا المعنى، وعلى الكلام في حال الخطبة ولكن لابد من إعادته هنا لاستيفاء الناقص منه.
وقد اختلف العلماء في الكلام حال الخطبة فعند الشافعية يكره الكلام حال الخطبة من ابتدائها لظاهر الآية. وحديث مسلم عن أبي هريرة:"إذا قلتَ لصاحبك أنصتْ والإمامُ يخطبُ فقد لغوت" ولا يحرم عندهم للأحاديث الدالة على ذلك كحديث أنس عند "الصحيحين""بينما النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يخطبُ الجُمعَة قامَ أعرابيٌ فقال: يا رسولَ اللهِ هلَك المالُ وجاعَ العيالُ فادعُ اللهَ لنا، فرفعَ يديهِ ودعا" الحديث. وحديث أنس المروي بسند صحيح عند البيهقي "أن رجلًا دخلَ والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يخطبُ يومَ الجُمعةِ فقال: متى الساعةُ؟ فأومأ الناسُ إليه بالسكوتِ فلم يقبلْ وأعاد الكلامَ. فقال له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الثالثةِ ما أعددتَ لها؟ قال: حُبُّ اللُهِ وحُبُّ رسولهِ. قال: إنك مَع مَنْ أحببت". وجه الدلالة منه أنه لم ينكر عليه الكلام، ولم يبين له وجه السكوت والأمر في الآية للندب. ومعنى لغوت تركت الأدب جمعًا بين الأدلة.
وقالت المالكية والحنفية والحنابلة بالمنع لحديث إذا قلت لصاحبك أنصت، وأجابوا عن حديث أنس السابق وما في معناه بأنه غير محل النزاع؛ لأن محل النزاع الإنصات والإمام يخطب، وأما سؤال الإِمام وجوابه فهو قاطع لكلامه فيخرج عن ذلك. وقد بني بعضهم القولين على الخلاف