وقال ابن حزم: قعوده -صلى الله عليه وسلم- بعد أمره بالقيام، يدل على أن الأمر للندب، ولا يجوز أن يكون نسخًا, لأن النسخ لا يكون إلا بنهي، أو بتركٍ معه نهيٌ. وقال صاحب "المهذب": هو على التخيير، وكأنه مأخوذ من قول الشافعيّ المتقدم، لما تقتضيه صيغة "أفعل" من الاشتراك، ولكن القعود عنده أوْلى، وعكسه قول ابن حبيب وابن الماجشُون من المالكية. كان قعوده -صلى الله عليه وسلم- لبيان الجواز: فمن جلس فهو في سعة، ومن قام فله أجر.
[الحديث التاسع والستون]
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ.
حديث أبي سعيد هذا أبين سياقًا من حديث عامر بن ربيعة، وهو يوضح أن المراد بالغاية المذكورة من كان معها، أو مشاهدًا لها، وأما من مرت به فليس عليه من القيام إلا قدر ما تمر عليه، أو توضع عنده، بأن يكون بالمصلّى مثلًا. وروى أحمد عن سعيد بن مرجانة عن أبي هُريرة مرفوعًا "من صلى على جنازة، ولم يمش معها، فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها، فلا يبعد حتى توضع".
وفي هذا السياق بيان لغاية القيام، وأنه لا يختص بمن مرت به، ولفظ القيام يتناول من كان قاعدًا، فأما من كان راكبًا فيحتمل أن يقال: ينبغي له أن يقف، ويكون الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد، استدل بقوله "فإنْ لم يكن معها" على أن شهود الجنازة لا يجب على الأعيان.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، مرَّ مسلم بن إبراهيم وهِشام الدَّسْتُوانيّ في السابع والثلاثين من الإِيمان, وأبو سعيد الخدريّ في الثاني عشر منه، ومرَّ يحيى بن أبي كثير في الثالث والخمسين من العلم، وأبو سلمة في الرابع من بدء الوحي. ثم قال المصنف: