قوله:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} أي: المتلفف في ثيابه، وروى ابن أبي حاتم عن عِكرمة عن ابن عباس قال: يا أيها المزمل، أيْ: يا محمد قد زُمِّلْتَ القرآن، وكأنَّ الأصل: يا أيها المتزمل، قلبت التاء زايًا، وأدغمت في الأخرى. وقوله:{قُمِ اللَّيْلَ} كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم عن عائشة قالت: إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، يعني:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} فقام نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فرضيته، واستغنى البخاري عن إيراد هذا الحديث، لكونه على غير شرطه، بما أخرجه عن أنس، فإن فيه "ولا تشاء أن تراه من اللَّيل نائمًا إلا رأيته" فإنه يدل على أنه كان ربما نام كل الليل، وهذا سبيل التطوع، فلو استمر الوجوب لما أخل بقيام الليل، وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة.
وقد روى محمد بن نصر في قيام الليل عن ابن عباس، شاهد الحديث عائشة، في أن بين الإيجاب والنسخ سنة، وكذا أخرجه عن أبي عبد الرحمن السُّلُميّ والحسن وعِكرمة وقَتَادة بأسانيد صحيحة عنهم، ومقتضى ذلك أن النسخ وقع بمكة؛ لأن الإيجاب متقدم على فرض الخمس ليلة الإسراء، وكانت قبل الهجرة بأكثر من سنة على الصحيح، وحكى الشافعي عن بعض أهل العلم أن آخر السورة نسخ افتراض قيام اللّيل إلا ما تيسر منه، لقوله:{مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس.
واستشكل محمد بن نصر ذلك، كما تقدم كلامه والتعقب عليه، عند الحديث الثاني من كتاب الصلاة، وتضمن كلامه أن الآية التي نسخت الوجوب مدنية، وهو مخالف لما عليه الأكثر من أن السورة كلها مكّيّة، نعم ذكر أبو جعفر النحاس أن السورة كلها مكّيّة، إلا الآية الأخيرة، وقوّى محمد بن نصر هذا القول بما أخرجه عن جابر، أن نسخ قيام الليل وقع لما توجهوا مع أبي عبيدة