كان يزيد على ذلك؛ لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلًا، وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنّسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال له:"أنت إمام قومك، وأقدر القوم بأضعفهم" إسناده حسن، وأصله في مسلم، وقوله "فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة" وزاد مسلم عن أبي الزناد "والصغير والكبير" وزاد الطَّبرانيّ عن عثمان بن أبي العاص "والحامل والمرضع" وله عن عدي بن حاتم "والعابر السبيل، والمريض الذي ليس بصحيح، والضعيف الذي ليس بقويّ الخِلقة، كالنحيف والمُسِنّ، وذا الحاجة" أي: صاحبها، وهي أشمل الأوصاف المذكورة.
وللقابسي "وذو الحاجة" بالرفع، مبتدأ حذف خبره، والجملة عطف على الجملة المتقدمة، أي "وذو الحاجة". كذلك وإنما ذكر الثلاثة لأنها تجمع الأنواع الموجبة للتخفيف؛ لأن المقتضي له: إما في نفسه أو لا. والأول إما بحسب ذاته، وهو الضعيف، أو بحسب العارض، وهو المرض أولًا في نفسه وهو ذو الحاجة، وقوله:"فإنَّ فيهم المريض الخ" تعليل للأمر المذكور، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصفٌ بصفة من المذكورات لم يضر التطويل، ويرد على هذا أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة، فعلى هذا يكره التطويل مطلقًا، إلا إذا فرض في مصلٍ بقوم محصورين راضين بالتطويل، في مكان لا يدخله غيرهم.
وقال اليَعْمُريُّ: الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة، فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا قال: وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر، وعلل بالمشقة، وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عملًا بالغالب؛ لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك.
[رجاله خمسة]
الأول: محمد بن كَثير العَبْدي، أبو عبد الله البصري، قال أبو حاتم: