مؤذنو الكعبة، ثم مؤذنو بيت المقدس، ثم مؤذنو مسجدي هذا، ثم سائر المؤذنين"، سنده صالح. وعند عبد الرزاق، عن أنس رفعه: "إذا أُذِّن في قرية أمَّنها الله تعالى من عذابه ذلك اليوم". وعند السراج بسند صحيح: "الإِمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".
وقوله: "قال أبو سعيد: سمعته"، أي: هذا الكلام الأخير، وهو قوله: "إنه لا يسمع ... إلخ"، وقد رواه ابن خُزيمة من رواية ابن عُيينة بلفظ: "قال أبو سعيد: إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالنداء، فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: لا يستمع ... "، فذكره، ورواه يحيى القطان عن مالك بلفظ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أذنت فارفع صوتك فإنه لا يستمع ... " فذكره، فالظاهر أن ذكر الغنم والبادية موقوف.
وقد أورد الرافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ: "إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأبي سعيد: إنك رجل تحب الغنم" وساقه إلى آخره، وسبقه إلى ذلك الغزاليّ وإمامه، والقاضي حسين وابن داود، وتعقبه النوويّ، وأجاب الرفعة عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد: "سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم" عائد على ما ذكر كله. وهذا لا يدفع التعقيب الواقع عليهم.
وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له، ما لم يجهده أو يتأذى به. وفيه أن حب الغنم والبادية، ولاسيما عند نزول الفتنة، من عمل السلف الصالح. وفيه جواز التَّبدّي ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب بشرط حظ من العلم، وأمنٍ من غلبة الجفاء. وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في قفر، ولو لم يترج حضور من يصلي معه؛ لأنه إن فاته دعاء المصلين، فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم، وقد مر تحرير هذا، وأنه لصلاة الملائكة معه.
[رجاله خمسة]
الأول: عبد الله بن يوسف، والثاني: مالك، وقد مرّا في الثاني من الوحي، والثالث: عبد الرحمن بن أبي صَعْصعة، وقد مرّ هو وأبوه عبد الله، وأبو سعيد