قلت: هذا الذي يقولونه هو المعبر عنه بالإلهام، وقد مر الكلام عليه في حديث "من رآني في المنام" بما يكفي ويشفي وقال غيره: من استدل بقصة الخضر على أن الوليّ يجوز أن يطلع من خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة، ويجوز له فعله، فقد ضل، وليس ما تمسك به صحيحًا، فإن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع، فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها، ثم إذا تركها أعيد اللوح -جائز شرعاً وعقلًا ولكن مبادرة موسى بالإِنكار بحسب الظاهر، وقد وقع ذلك واضحًا عند مسلم، ولفظه "فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة تجاوزها، فأصلحها"، فيستفاد منه وجوب الثاني عن الإنكار في المتحملات، وأما قتله الغلام فلعله كان في تلك الشريعة، وأما إقامة الجدار، فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان. وفيه استحباب الحرص على الازدياد من العلم، والرحلة فيه، ولقاء المشايخ، وتجشم المشاق في ذلك، والاستعانة في ذلك بالاتباع.
وقد استوفيت مباحث هذا الحديث في هذا المحل، وعند ذكره السابق في باب خروج موسى في البحر، ولم يبق من الكلام عليه إلا توضيح ألفاظ لم تذكر في هذين المحلين، وستذكر في حديث سورة الكهف.
رجاله سبعة: الأول عبد الله بن محمد السندسيّ، مر تعريفه في الحديث الثاني من كتاب الإيمان. الثاني سفيان بن عُيينة، مر أيضًا في الحديث الأول من بدء الوحي. الثالث عمرو بن دينار، مر أيضًا في الحديث الرابع والخمسين من كتاب العلم. الرابع سعيد بن جُبير، مر في الحديث الخامس من بدء الوحي. الخامس عبد الله بن عباس، مر أيضًا في الحديث الخامس منه أيضًا. ومر تعريف أُبي بن كعب في الحديث السادس عشر من كتاب العلم. وهنا ذكر موسى والخضر عليهما السلام، وقد مر ذكرهما بعد الحديث الخامس عشر من كتاب الإِيمان.